الفصل الثاني
إرشاد المجتمع فريضة شرعية وضرورة اجتماعية
مقدمة :
لقد جاء الإسلام الحنيف يقرر للدنيا أعدل المبادئ وأقوم الشرائع ويسمو بالنفس الإنسانية ويقدس الأخوة العالمية ويضع عقيدة الخلود والجزاء دافعاً إلى الأعمال الصالحة ومانعاً من الفساد في الأرض ويرسم الطريق العملي لذلك كله في حياة الناس اليومية ثم في أوضاعهم المدنية ويحيي على ذلك القلوب ويجمع عليه الأمة ويقيم على أساسه الدولة ويوجب الدعوة إليه في الناس كلهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله .
ومضت على هذا حياة المسلمين حينا من الدهر علت فيها دعوتهم وامتدت دولتهم وسلطانهم وسادوا أمم الدنيا وكانوا أساتذة الناس ووعدهم الله على ذلك أجمل المثوبة وحقق لهم هذا الوعد " فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" ( آل عمران : 148 ).
ثم اختلط عليهم بعد ذلك الأمر فاتخذوا الدين طقوساً وأشكالاً والعلم والمعرفة جدلا ومراء ، ووزعوا مهمة الإصلاح لتكون أداة للدنيا ووسيلة للجاه والمال ففسدت النفوس أولاً ، وتفرقت الكلمة بعد ذلك وذلت الدولة تبعا لهذا ، وطمع في المسلمين كل طامع ، فوقعوا تحت حكم غيرهم وسلطانه ، وتغيرت تبعا لذلك كل أوضاع حياتهم الأدبية والعملية .
وأراد المصلحون الغيورون أن يتداركوا الأمر فقامت طائفة تحاول إصلاح النفوس وقامت أخرى تحاول خدمة الشعوب .
واختصت ثالثة نفسها بتقويم أداة الحكم ، وأطلق كل على نفسه اسما يرضاه ووصفا يعجبه ، انتصر لمهمته وانتقص مهمة غيره وكان شرط هذا الاختصاص – ليكون نافعا مفيداً - أن تقوي كل ناحية الأخرى وتكون سندا لها ، فيدفع من يهيمنون على تربية النفوس أتباعهم إلى خدمة المجتمعات وهؤلاء ينبهون من معهم إلى أن إصلاح المجتمع بصلاح الحكم حتى يتآزر الجميع على الإصلاح العام .
وكان شرط هذا الاختصاص كذلك أن تقوم هناك الهيئة الجامعة التي تأخذ بأطرافه وتجمع بين حواشيه – وكان شرط هذا الاختصاص أخيراً أن يقوم به الأكفاء المخلصون ....( خطاب الإمام في رؤساء المناطق ).
ولقد وفق الإمام حسن البنا رحمه الله في وضع ركن العمل بعد الفهم والإخلاص .. فلا عمل بدون فهم .....ولا قبول بغير إخلاص .
والعمل القائم على أصليَّ الفهم والإخلاص هو العمل الذي يصلح العاملين ويعين على تحقيق الإصلاح الذي جاءت به الرسالة الخاتمة .
وعلى مدار التاريخ الإسلامي ... فاز العاملون الذين فهموا الإسلام باعتباره إيماناً وعملاً ... واخفق المنظرون الذين اهتموا بكل شيء واهملوا العمل .
فالداعية لا يحبس مبادئ رسالته وتعاليمها في صدره وفكره بل يصوغها أعمالاً تستقيم بها شئون الناس في معاشهم ومعادهم .
وقد جعل الإمام البنا لركن العمل مراتب ودرجات كل واحدة منها تعتبر ركيزة لما بعدها وإن كانت جميعها يأخذ بعضها بحجز بعض وتمثل تكاملاً بحيث لا يغني بعضها عن بعض .
ومعنى أن يبدأ منهج العمل بالفرد ثم بالأسرة ثم بالمجتمع حتى ينتهي بالخلافة فهذا يعني اتباع الطريق المتدرج الذي سلكه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو قومه .
فتأتي مرتبة إرشاد المجتمع طوراً طبيعياً من أطوار التكوين الفرد المسلم فالبيت المسلم فالمجتمع المسلم ....
وقد ركز الإمام البنا على هذه المرتبة لأن طبيعة العمل في هذا الهدف مختلفة عن طبيعة العمل بالنسبة للهدفين السابقين ( الفرد ، والبيت ) وقد كان الإمام دقيقاً موفقاً في اختيار المنهج الصحيح في عملية التغيير داخل المجتمع فلم يتأثر بضغط الأحداث التي غلبت على عصره والتي تمثلت في الثورات والانقلابات والاغتيالات ولم يُر في هذه الوسائل فائدة ترجى فهي كما تأتي بغتة تذهب كذلك .
أما التغيير الإسلامي فيحتاج إلى نفوس أشربت حب دعوة الإسلام واستقامت معه ، وإلى أسر قامت على هدي الإسلام ، وإلى مجتمعات غلبت عليها صبغة الإسلام .
" وإن الإخوان المسلمين يهتفون بدعوة ويؤمنون بمنهاج ويناصرون عقيدة ويعملون في سبيل إرشاد الناس إلى نظام اجتماعي يتناول شئون الحياة جميعا اسمه الإسلام " . ( المؤتمر الخامس ).
ولتحقيق هذه المرتبة ( إرشاد المحتوى ) وضعنا هذا الهدف العام : أن يعمل على إرشاد المجتمع .
ووضعنا لتحقيقه عشرة أهداف مرحلية يسعى الدارس لتحقيقها حتى يصل إلى الهدف العام الذي يرجو ، وقد قسمنا هذا الهدف العام على كتابين ، تناولنا في هذا الكتاب الخمسة أهداف المرحلية الأولى ( من الأول – إلى الخامس ) ، ونتناول بمشيئة الله تعالى الخمسة أهداف المرحلية ( من السادس إلى العاشر ) في الكتاب الثاني . هذا وبالله التوفيق والسداد .
الهدف العام : أن يعمل الدارس على إرشاد المجتمع
الأهداف المرحلية :
1- أن يوضح الدارس مفهوم العمل على إرشاد المجتمع
2- أن يوضح الدارس شرعية وضرورة العمل على إرشاد المجتمع .
3- أن يوضح الدارس نماذج من الهدي النبوي والقصص القرآني في إرشاد المجتمع .
4- أن يوضح الدارس الأسس أو الطرق العامة لإرشاد المجتمع .
5- أن يوضح الدارس أمثلة من تاريخ حركة الدعوة للعمل على إرشاد المجتمع .
6- أن يوضح الدارس الآداب والعوامل التي تعينه على إرشاد المجتمع . ( في الكتاب الثاني )
7- أن يوضح الدارس وسائل وأساليب تعين على إرشاد المجتمع . ( في الكتاب الثاني )
8- أن يوضح الدارس الأعمال التي يمكن القيام بها من خلال منافذ ومسارات الحياة (في الكتاب الثاني )
9- أن يرتبط الدارس بأفراد من المجتمع يمكن مشاركتهم فى إرشاد المجتمع . ( في الكتاب الثاني )
10- أن يقوِّم الدارس نفسه في قيامه بدوره في إرشاد المجتمع .
الهدف المرحلي الأول : أن يوضح الدارس مفهوم العمل على إرشاد المجتمع .
الأهداف الإجرائية السلوكية :
1- أن يذكر الدارس المقصود بالعمل على إرشاد المجتمع لغة واصطلاحاً .
2- أن يوضح الدارس المقصود بالمجتمع المسلم
3- أن يوضح الدارس مفهوم العمل المنشود مع المجتمع .
فى اللغة : عَمِلَ أى : فعل فعلاً عن قصد .
مجتمع أى : أخلاط من الناس من قبائل شتى .
وفي اللغة أيضاً : إرشاد من أرشده أي هداه فالإرشاد من الهداية والدَّل
وأرشده أي هداه ودله .
المعنى الاصطلاحى : هو بذل الجهد الواعى لتحقيق مقاصد الشارع من الإنسان فوق هذه الأرض .
والعمل المنشود فى الإسلام : هو عمل الصالحات وهو تعبير قرآنى جامع يشمل كل ما يصلح به الدين والدنيا ويصلح به الفرد والمجتمع ، فهو يضم العبادات والمعاملات أو عمل المعاد والمعاش .
والخالق جل شأنه لا يريد من الناس أى عمل ولا مجرد العمل الحسن بل يريد منهم العمل الأحسن
{ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } هود7 ، الملك2 ، وأيضاً { لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } الكهف7
فالسباق ليس بين العمل السيئ والحسن بل بين العمل الحسن والأحسن .
والمجتمع المسلم هو المجتمع المتميز عن سائر المجتمعات بمكوناته وخصائصه فهو مجتمع ربانى أخلاقى إنسانى متوازن ، المسلمون فيه مطالبون بالعمل على إقامة حياة إسلامية متكاملة ، حياة توجهها العقيدة الإسلامية وتزكيها العبادات الإسلامية وتقودها المفاهيم الإسلامية وتحركها المشاعر الإسلامية وتضبطها الأخلاق الإسلامية وتجملها الآداب الإسلامية وتهيمن عليها القيم الإسلامية وتحكمها التشريعات الإسلامية وتوجه اقتصادها وفنونها وسياستها التعاليم الإسلامية .
فهو ليس كما يتصوره البعض أو يصوره الكثيرون هو فقط الذى يطبق الشريعة فى جانبها القانونى وخصوصا جانب الحدود والعقوبات فهذا تصور وتصوير قاصر وظالم لهذا المجتمع واختصار لكل مقومات المجتمع المتعددة فى مفهوم واحد هو التشريع وفى جانب واحد من التشريع هو التشريع الجزائى أو الجنائى ، لذلك فإن عمل أى فرد أو جماعة مع هذا المجتمع لا يكون نيابة عنه وإنما اشتراك كامل مع المجتمع بأفراده وجماعاته وهيئاته رجالا ونساء لتحقيق الهدف المنشود من هداية البشرية واستقامتها على كتاب الله عز وجل الذي يهدي به من يشاء من عباده .
كتب الإمام البنا فى جريدة الإخوان المسلمون الأسبوعية فى غرة ذى القعدة 1352ه تحت عنوان :
إلى العمل أيها الإخوان المسلمون فإن العالم ينتظركم :
(( صور لنفسك أمة اتبعت تعاليم الإسلام 000000
1- فهم أخوة متحابون لأن كتاب الإسلام يناديهم ( إنما المؤمنون أخوة ) الحجرات 10
2- وهم متساوون فى الحقوق و الواجبات لأن نبى الإسلام يقرر لهم ( أن لا فضل لعربى على عجمى إلا بالتقوى ) 00(( الحديث فى مسند الإمام أحمد 23536عن أبى نضرة قال حدثنى من سمع خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم 000000 ))
3- و هم سعداء فى بيوتهم و أسرهم لأن دستور الإسلام حدد حقوق كل فرد من افراد الأسرة و واجباته وبناها على العدل و الإنصاف 0
4- و هم فاضلون فى أخلاقهم أصحاء فى أجسامهم لأن رسولهم يناديهم فى وضوح و جلاء ( بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) 000 ( سنن البيهقى عن أبى هريرة رضى الله عنه ) 000 و ( المؤمن القوى خير من المؤمن الضعيف ) 00 (سنن ابن ماجه عن أبى هريرة رضى الله عنه ) 000
5- و هم جادون فى كسب عيشهم مهتمون بدراسة الكون الذى يحيط بهم متمتعون بما أحل الله لهم من طيبات الحياة و مباهجها لأن دينهم حبب إليهم الكسب و العمل و نهاهم عن القعود و الكسل و يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده ) 000 ( الحديث رواه البخارى عن المقداد رضى الله عنه ) 0
6-و هم منصفون فى معاملاتهم لا يبغى بعضهم على بعض ولا يظلم أحد منهم أحدا 0
7- وهم عارفون بحقوقهم واقفون عند حدودهم لأن دينهم فصل واجب الحاكم والمحكوم وبين جزاء الظالم وحق المظلوم وجعل لكل حدا يقف عنده ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( أيها الناس الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم وإن لكم نهايات فانتهوا إلى نهاياتكم ) (فى تفسير القرطبى رواه ابن ماجه عن جابر )
8- وهم مشتركون فى الخيرات متعاونون على درء المؤذيات بعضهم لبعض ظهير فى اجتياز الحياة واحتمال ما يعترض الناس فيها من آمال وآلام (حب لأخيك ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لها ) ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) (الحديث عن أنس بن مالك رضى الله عنه ورواه البخارى ومسلم )
9-وهم بعد ذلك كلهم مستعدون لحماية أنفسهم ومبادئهم بعلمهم وقوتهم مستعدون لأن يلزموا كل إنسان القيام بواجبه بالشدة إن لم يقبل باللين وبالقوة إن لم يرضخ للحق وبالسيف والسنان إن أبى الحجة والبرهان )) انتهى كلام الإمام 00
التقويم :
1- أذكر المقصود بالعمل على إرشاد المجتمع لغة واصطلاحاً
2- وضح مفهومك عن العمل على إرشاد المجتمع
3- بيّن العمل الذي ينشده الإسلام لإرشاد المجتمع
4- وضح ملامح تصورك للمجتمع الذى تنشده فى مختلف جوانبه
5- قارن بين تصورك للمجتمع الذى تنشده وواقع المجتمع الذى تعيش فيه (ورشة عمل) من خلال استبانة واقع المجتمع المحيط بك مستخدما الجدول التالى :
جوانب المقارنة التصور المنشود الواقع
الهدف المرحلي الثاني : أن يوضح الدارس شرعية وضرورة العمل على إرشاد المجتمع :
الأهداف الإجرائية السلوكية :
1- أن يوضح الدارس أهمية الفرد والمجتمع كل منهما للآخر .
2- أن يوضح الدارس شرعية وضرورة العمل مع المجتمع .
1- أهمية الفرد والمجتمع كلا منهما للآخر :
الإسلام لا يتصور الإنسان وحده وإنما يتصوره في مجتمع ولهذا توجهت التكاليف إليه بصيغة الجماعة ( يا أيها الذين آمنوا ) ولم يرد في القرآن ( يا أيها المؤمن ) وذلك أن تكاليف الإسلام تحتاج إلى التكاتف والتضامن في حملها والقيام بأعبائها يستوي في ذلك العبادات والمعاملات
وحتى الجماعات الإنسانية كلها لا تتصور الإنسان وحده وهي عندما تريد أن تنزل بالإنسان أقصى عقوبة فإنها تحكم عليه بالعزلة وتضعه في غرفة مغلقة ( زنزانة – سجن )
وقد عنى الإسلام بالمجتمع عنايته بالفرد فكل منهما يتأثر بالآخر ويؤثر فيه فكان صلاح الفرد لازما لصلاح المجتمع كما لا صلاح لفرد إلا في مجتمع يساعده على النمو السليم والتكيف الصحيح والسلوك القويم .وما كانت الهجرة النبوية إلى المدينة إلا سعيا إلى مجتمع مستقر تتجسد فيه عقائد الإسلام وقيمه و شعائره وشرائعه {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } الحجرات13
2- شرعية وضرورة العمل مع المجتمع :
والعمل على إرشاد المجتمع بالمفهوم الذي وضحناه واجب شرعي للأسباب الآتية :
1- القيام بتكليف الله للإنسان بالاستخلاف فى الأرض وفعل الخير .
2- القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .
3- إعلان الدعوة إلى الله تعالى .
4- أداء الشعوب والمجتمعات لدورها فى إقامة الشريعة .
5- الوفاء لله بالعهد والبيعة .
6- تجنب التعرض لسوء العاقبة .
7- وجوب صد الهجمة على الأمة وعلى دينها .
8- تحصيل الفضل والأجر من الله عز وجل .
ونتناول كل واحدة مما سبق بشيء من التوضيح
1- القيام بتكليف الله للإنسان بالاستخلاف في الأرض وفعل الخير :
فقد استخلف الله عز وجل الإنسان في الأرض وكلفه بإعمارها وفق المنهج الذي أنزله
{ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً } البقرة 30
{ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا }هود61 أي طلب منكم أن تعمروها .
وإن الله ندب المسلمين جميعا إلى فعل الخير على طول خط الحياة بصرف النظر عن الأحوال التي تطرأ على الأشخاص {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }الحج77
وقد أخرج الترمذي عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه عن رسول الله " لا يحقر أحدكم شيئا من المعروف وإن لم يجد فليلق أخاه بوجه طلق وإذا اشتريت لحما أو طبخت قدرا فأكثر مرقه واغرف لجارك منه" - وإن للناس حاجات وضرورات ملحة لا يجوز للدعاة أن يتركوها بغير علاج إلى أن تقوم دولة الإسلام ومن ذلك اطعام الجياع وعلاج المرضى وتعليم الجاهلين وإرشادهم وإشاعة الحب بين الناس والمرحمة ... إلخ .
ولهذا يلزم أن يسهم الدعاة في الخدمات الاجتماعية على أنها واجب وأنها من الوسائل التي تؤدي إلى نجاح الدعوة " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " المائدة 2
2- القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
الإسلام لا يكتفي من الناس أن يصلحوا في أنفسهم حتى يعملوا على إصلاح غيرهم سواء رجالاً أم نساءً ، وقد قرن القرآن الكريم بين المؤمنين والمؤمنات وجعل الجميع أولياء بعضهم وحملهم رجالا ونساء تبعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }التوبة71
فشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قدمت على الصلاة والزكاة في الآية السابقة وكذلك قدمت على الإيمان في الآية {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } آل عمران 110 لأنها السمة الأولى للمجتمع المسلم ولأفراد المجتمع المسلم وهي التي تميزه عن سائر المجتمعات الكتابية أو الإنسانية بصفة عامة .
فهي فريضة وهي علم على وجوب التكافل الأدبي بين المسلمين كما أن الزكاة علم على وجوب التكافل المادي بين المسلمين
والأمر والنهي شيء أخص وأكبر من الوعظ والتذكير فكل ذي لسان قادر على أن يعظ ويذكر وليس قادرا على أن يأمر وينهى والذي طالبت به الآية الكريمة {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }آل عمران104 . إنما طالبت بإيجاد أمة تأمر وتنهى ، روى عن أبى سعيد الخدري رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله يقول : " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود
3- إعلان الدعوة إلى الله :
إن وظيفة الدعوة إلى الله تكليف إلهي {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }يوسف108 ، فهي وظيفة واجبة لهداية الفرد والمجتمع وقد اشتملت هذه الوظيفة على أربع أمور جاءت بها الآية الكريمة {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }البقرة151 ، والأمر الرابع في {وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} أي يبصركم بحاضركم ويرسم لكم أسلم طريق لمستقبلكم وهذه الوظيفة أصعب الوظائف وأحوجها إلى الصبر والثبات والاستمرار ، روى الترمذي عن زيد بن ثابت رضى الله عنه " نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه " .
ومن عرف الحق وجب عليه أن يبينه للناس ومن لم يفعل فقد أثم {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ }البقرة159، وقد روى البخاري عن عبد الله بن عمروا بن العاص رضى الله عنه " بلغوا عني ولو أية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " .
ولقد جد رسول الله حتى أدخل دعوته في صميم كل حياة الناس ولم يبقها خافتة على الهامش الخامل . وحسب دعوة الحق أن تنفذ إلى لب حياة الناس حياتهم العاطفية والعقلية والعملية
وإن أسوأ ما يصيب المجتمعات أن يخرس الطغيان أو الخوف فيها الألسنة فلا تعلن كلمة الحق ولا تجهر بدعوة ولا نصيحة ولا أمر ولا نهي ولكن الأسوأ من ذلك أن يموت الضمير الاجتماعي للأمة أو يمرض بعد طول إلف للمنكر والسكوت عليه .
وفي الآية الكريمة {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً }الأحزاب39
عموم اللفظ بالآية يصف رسول الله وكل داعية إلى الله بأنهم يبلغون رسالات الله ، وهذا واجب تحف به المخاطر وهي لابد واقعة لأنها سنة الله في الدعوات والعاملين فيها ، فهم يخشون ربهم وحده ولا يخشون أحدا غيره لأنهم لو خافوا قعدوا ولو قعدوا أثموا وأغضبوا ربهم ، ومهما قعدوا فلن يحول القعود بينهم وبين ما قدر عليهم من أذى وعنت " واعلم أن الأمة لو اجتمعت على ان ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على ان يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف " رواه الترمذي عن عبد الله بن عباس رضى الله عنه .
4- أداء الشعوب والمجتمعات لدورها في إقامة الشريعة :
فإن كثيرا من أحكام الحلال والحرام والأحكام التي تضبط علاقة الفرد بالفرد والفرد بالأسرة والفرد بالمجتمع قد أهملها المسلمون أو خالفوا فيها عن أمر الله وتعدوا حدود الله ولن يصلح حالهم إلا إذا وقفوا فيها عند حدود الله تعالى والتزموا بأمره ونهيه بوازع من أنفسهم وشعورهم برقابة الله عليهم ، فوجب على الدعاة والمفكرين والمربين أن يبذلوا جهدهم لتقوم الشعوب بواجبها في تطبيق ما يخصها من شرع الله ، ولا يكون كل همهم فقط مطالبة الحكام بتطبيق شرع الله وكأنهم بمجرد أن يرفعوا أصواتهم بهذه المطالبة قد أدوا كل ما عليهم فإن تطبيق الشريعة ليس عمل الحكام وحدهم وإن كانوا هم أول من يطالب بها باعتبار ما في أيديهم من سلطات تمكنهم من عمل الكثير ولكن أيضا على الشعوب مسئولية تطبيق الشريعة في كثير من الأمور التي لا تحتاج إلى سلطان الدولة وتدخل الحكام
{أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} الشورى 13
5- الوفاء لله تعالى بالعهد والبيعة
والوفاء واجب بالعهد والبيعة فقد أخذ الإمام البنا البيعة ممن بايعوا على عشرة أركان فكان ثالثها ركن العمل الذي جاء على سبع مراتب كان ثالثها مرتبة العمل مع المجتمع وقد وجب بهذا العهد وهذه البيعة على كل فرد على حدته إرشاد المجتمع كما هو واجب الجماعة كهيئة عاملة وذلك :
أ- بنشر دعوة الخير فيه ب- محاربة الرذائل والمنكرات
جـ- تشجيع الفضائل د- الأمر بالمعروف
هـ- المبادرة إلى فعل الخير و- كسب الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية
ز- صبغ مظاهر الحياة العامة بها دائما
وعلى ذلك فإن النشاط والعمل الاجتماعي هو المجال التطبيقي لمنهج التربية وإن ذلك خطوة من الخطوات الواجبة نحو إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة وأستاذية العالم
{لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} الحج 78
6- تجنب التعرض لسوء العاقبة :
إن القعود عن العمل مع المجتمع إنما مثله كمثل ضربه رسول الله فيما رواه البخاري عن النعمان بن بشير رضى الله عنه " مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا أستقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا خرقنا في نصيبنا ولم نؤذ من فوقنا ؟ فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا " .
وقد جاء التهديد الإلهي ينذر كل من تسول له نفسه أن يكتفي بنفسه وينكفئ على ذاته فقال تعالى : {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }الأنفال25 ، قال الإمام القرطبي : واتقوا فتنة تتعدى الظالم وتصيب الصالح والطالح . وقال ابن كثير : يحذِّر الله تعالى عباده المؤمنين فتنة أي اختبار أو محنة يعم بها المسيء وغيره ولا يخص بها أهل المعاصي ولا من يباشر الذنب بل يعمها .
وفيما رواه أصحاب السنن الترمذي وأبو داود بروايات وألفاظ متعددة عن أبي بكر رضي الله عنه أنه خطب الناس فقال : ( يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية وتأولونها على خلاف تأويلها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } وإني سمعت رسول الله يقول " ما من قوم عمل فيهم بالمعاصي وفيهم من يقدر على أن ينكر عليهم فلم يفعل إلا يوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده " ) .
7- وجوب صد الهجمة على الأمة وعلى دينها :
فيما قاله الإمام البنا في رسائله ( شاءت لنا الظروف أن ننشأ في هذا الجيل الذي تتزاحم الأمم فيه بالمناكب وتتنازع البقاء أشد التنازع وتكون الغلبة دائما للقوي السابق . وشاءت لنا الظروف كذلك أن نواجه نتائج أغاليط الماضي ونتجرع مرارتها وان يكون علينا رأب الصدع وجبر الكسر وإنقاذ أنفسنا وأبناءنا واسترداد عزتنا ومجدنا وإحياء حضارتنا وتعاليم ديننا . شاءت لنا الظروف أن نواجه كل ذلك وان نعمل على إنقاذ الأمة من الخطر المحدق بها من كل ناحية وإن الأمة التي تحيط بها ظروف كظروفنا وتنهض بمهمة كمهمتنا لا ينفعها أن تتسلى بالمسكنات أو تتعلل بالآمال والأماني وإنما عليها أن تعد نفسها لكفاح طويل عنيف وصراع قوي شديد بين الحق والباطل وبين النافع والضار وبين صاحب الحق وغاصبه وسالك الطريق وناكبه وبين الأدعياء المخلصين الغيورين والأدعياء المزيفين ، وان عليها أن تعلم أن الجهاد من الجهد والجهد هو التعب والعناء وليس مع الجهاد راحة حتى يضع النضال أوزاره وعند الصباح يحمد القوم السرى . {انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }التوبة41 ، { وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } الآية محمد35 .
ولا يخفى على أحد شراسة الهجمة على الإسلام فقد أصبح جلي أن الأمة بجميع ثوابت دينها مستهدفة في هذه المرحلة من الصراع بين الحق والباطل وان كان الأعداء قد استهدفوا في مراحل سابقة الجماعات العاملة للإسلام فاليوم الإسلام وأمته مستهدفان في معركة شاملة وإن جاز سابقا أن تصرف جماعة جل جهدها للحفاظ على كيانها فاليوم لم تعد جهود أي جماعة كافية لصد الهجمة وحدها ما لم نتمكن من إيقاظ الأمة وتفعيلها لمقاومة أعدائها وإحياء مجد دينها فوجب العمل مع المجتمع على أن يسود الفهم الصحيح للإسلام وان تتحقق القيم والسلوكيات الإسلامية فيه وان يزداد الالتزام بالإسلام كمنهج حياة وان تتحرر إرادة الأمة من الهيمنة الأجنبية وان تستنفر الأمة للدفاع عن دينها ومناصرة القضايا الإسلامية ومقاومة الانحدار القيمي والحضاري .
8- تحصيل الفضل والأجر من الله عز وجل :
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال : " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجر من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الاثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا " أخرجه مسلم والترمذي وابو داود
كما أخرج البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال : " العبد المملوك المصلح له أجران " وفي رواية " نعم ما لأحدهم يحسن عبادة ربه وينصح لسيده "
ومن الأحاديث المتفق عليها عن أبي هريرة قال : قال رسول الله " كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة والكلمة الطيبة صدقة ولكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة وتميط الاذى عن الطريق صدقة " .
روى مسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه : " من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه "
كما روى مسلم عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رسول الله بعث إلى بني لحيان " ليخرج من كل رجلين رجل " ثم قال للقاعد " أيكم خلف الخارج في اهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج "
ومن المتفق عليه عن زيد بن خالد الجهنى رضى الله عنه " من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزى ومن خلف غازيا في أهله فقد غزا "
وبحسب المسلم من الفضل أن يتشبه بالنبي وسائر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ }الأنعام90 .
فيذكر الإمام النووي ويفرد بابا في رياض الصالحين فأورد باب فضل الاختلاط بالناس وحضور جمعهم وجماعاتهم ومشاهد الخير ومجالس الذكر معهم وعيادة مريضهم وحضور جنائزهم ومواساة محتاجهم وإرشاد جاهلهم وغير ذلك من مصالحهم ، لمن قدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقمع نفسه عن الإيذاء والصبر على الأذى : اعلم أن الاختلاط بالناس على الوجه الذي ذكرته هو المختار الذي كان عليه رسول الله وسائر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وكذلك الخلفاء الراشدون ومن بعدهم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء المسلمين وأخيارهم وهو مذهب أكثر التابعين من بعدهم وبه قال الشافعي وأحمد وأكثر الفقهاء رضى الله عنهم أجمعين قال الله تعالى : {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى }المائدة 2 انتهى كلام النووي رحمه الله .
واجب عملي : أن يجتهد الدارس لإضافة أدلة أخرى توضح شرعية وأهمية إرشاد المجتمع ( حلقة نقاشية )
-يتخير الدارس بعضا ممن حوله ويتحدث إليهم ويتناقش معهم حول شرعية وأهمية أن يعمل كل مسلم على إرشاد المجتمع (إرشاد المجتمع إلى الأصوب والأقوم 000 مسؤلية من ؟ )
-يفعل الدارس شريطا للكاسيت لأحد الدعاة يتناول فكرة واجب المسلم نحو مجتمعه
يشارك الدارس فى أحد الوسائل التى تتناول هذا الموضوع مثل :
ندوة أو محاضرة
إرسال كلمة إلى صحيفة
كتابة مقال فى مجلة حائط
تعليق بوستر أو معلق يذكر المسلم بواجبه نحو مجتمعه
تقويـــــم
1- حدد الجوانب التي يمكنك من خلالها توضيح ضرورة وشرعية العمل على إرشاد المجتمع
2- وضح مدى أهمية الفرد والمجتمع كل منهما للآخر
3- بين الأهمية الشرعية لقيام المسلم بالخدمات الاجتماعية
6- اذكر معنى الاستخلاف في الأرض وإعمارها
7- دلل على أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع
8- وضح مدى وجوب الدعوة إلى الله عليك
9- ماذا تقول لمن يخشى الأذى والعنت إذا دعا إلى الله
10- ( تطبيق الشريعة ليس عمل الحكام وحدهم ) وضح مدى صحة هذه العبارة
11- ما أهمية أن توجب على نفسك عهدا لله بالعمل مع المجتمع
12- حدد الجوانب التي يمكنك الوفاء بها لعملك مع المجتمع
13- وضح أهمية عمل الواحد مع مجتمعه أثناء تربيته
14- وضح المخاطر التي يتعرض لها من يقعد عن العمل مع مجتمعه
15- بين ظروف المرحلة الحالية التي يمر بها مجتمعنا وتمر بها أمتنا المسلمة
16- ما هو المخرج الذي تراه مناسبا لاجتياز المرحلة
17- ما هو دورك الذي يمكنك أن تؤديه في ظل ما بينت من ظروف
18- وضح فضل وأجر عمل المسلم على إرشاد المجتمع
الهدف المرحلي الثالث : أن يوضح الدارس نماذج من الهدي النبوي والقصص القرآني في إرشاد المجتمع .
الأهداف الإجرائية السلوكية :
1- أن يذكر الدارس نماذج من سيرة الرسول في تعامله مع كافة شرائح المجتمع .
2- أن يوضح الدارس الذي تعلمه شخصياً من مدارسته لهذه المواقف في سيرة الرسول .
3- أن يوضح الدارس كيف يطبق الدروس المستفادة من مواقف سيرة الرسول في عمله مع المجتمع
4- أن يذكر الدارس نموذج ذي القرنين في إرشاده للمجتمع .
5- أن يلخص الدارس منهجية العمل على إرشاد المجتمع كما فعل ذو القرنين .
6- أن يوضح الدارس ما تعلمه شخصياً من نموذج ذي القرنين
7- أن يذكر الدارس مواقف أخرى من سيرة الرسول للعمل على إرشاد المجتمع
أبلغ نموذج أمرنا القرآن الكريم أن نتأسى به هو النبى القدوة رسول الله فقد جاءت سيرته منهجا عمليا وتطبيقا للإسلام فى المجتمع . وقد رأيناه وقد تعامل مع كافة شرائح المجتمع وطوائفه مسلمين وغير مسلمين ، حضر وبدو ، ضعاف وأقوياء ، عامة وصفوة ، متعلمين وأميين ، ذكوراً وإناثاً فى كل مراحلهم العمرية ، مسالمين أو محاربين ، محبين أو كارهين ، مؤمنين أو منافقين ...
ونورد هنا على سبيل المثال لا الحصر نماذج من التعامل مع كافة شرائح المجتمع نستقيها من السيرة النبوية الشريفة :
فمع غير المسلمين وظف النبى منهم ومن أعرافهم وقوانينهم ما استطاع لتحقيق أهداف رسالة الدعوة إلى الله عز وجل وقد فعل هذا مع التزام كامل وطاعة كاملة لله رب العالمين واستقامة تامة على منهاجه التشريعي ، فكان في جوار عمه أبي طالب حتى مات وكذلك كان أبو بكر الصديق في جوار ابن الدغنة وهو سيد القارة ( قبيلة غير قريش ) حتى رد أبو بكر ذمته ، كما تروي لنا السيرة دخول النبي مكة في جوار المطعم بن عدى ، وكذلك تروي قبول النبي الهدية وقيامه بالتفقد والزيارة لمن كان يؤذيه ويضع الأذى أمام بيته حين مرض ، وأنه توفى ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعا من شعير كما روى البخاري ومسلم ، كما تروي السيرة أن عبد الله بن أريقط كان دليل الهجرة الأمين وعمه العباس قبل إسلامه يأخذ له البيعة في العقبة الثانية .
ومع كل شرائح المجتمع من المسلمين تعامل النبي فتروي لنا السيرة رعايته للضعاف والمحتاجين كأهل الصفة وغيرهم وذلك بأعمال البر المختلفة وإعانة القادر على احتراف عمل يغنيه عن السؤال كالذي دله النبي على الاحتطاب ، وكذلك أوردت السيرة اعتاق الرقيق وأيضا الإحسان إلى المغترب
" سلمان منا أهل البيت " (حديث عن عمرو بن عوف المزنى رضى الله عنه – المستدرك 6541 – المعجم الكبير 6040 ) كما اهتم النبي بشرائح الصفوة وكذلك اهتم الدعاة معه فحين أقبل أسيد بن حضير على مجلس مصعب بن عمير وأسعد بن زرارة رضي الله عنهم أجمعين قال أسعد لمصعب : هذا سيد قومه وقد جاءك فاصدق الله فيه . وبعد أن أسلم أسيد أرسل إليه سعد بن معاذ فحين رآه أسعد قال لمصعب رضى الله عنهم أجمعين لقد جاءك والله سيد من ورائه قومه إن يتبعك لا يتخلف منهم اثنان .
وبعد ما أسلم سعد توجه إلى قومه فوالله ما أمسى في دار عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما أو مسلمة .
وقد حرص النبي على سماع كلمات سعد بن معاذ قبيل نشوب قتال غزوة بدر ، كما حرص النبي على سماع رأيه وقبول حكمه في يهود بني قريظة، ومن اكرام رسول الله قوله للأنصار عندما جاء سعد للحكم في بني قريظة " قوموا إلى سيدكم " (حديث متفق عليه عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه ) ، وبعد موته رضى الله عنه اثنى النبي عليه كثيرا أمام الصحابة ليتعرف الناس على أعماله الصالحة فيتأسوا به .
( أسلم سعد بن معاذ في الثلاثين من عمره وتوفى في السابعة والثلاثين ) .
ومن صور اهتمام النبي بهذه الشريحة أيضا حين أسلم أبو سفيان رضى الله عنه بعد فتح مكة وكان يحب الفخر أنه قال :
" ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن " (رواه الطبرانى عن عروة رضى الله عنه – مجمع الزوائد ج 6 ص 171 ) 0
كما اهتم النبي بالمتعلمين وجعل قيمة الحرية في مقابل قيمة العلم في أسرى بدر حيث اشترط على الأسير تعليم عشرة من أبناء المسلمين مقابل المن عليه .
وكذلك جاء عن زيد بن ثابت رضى الله عنه قال " أمرني رسول الله فتعلمت له كتاب يهود بالسريانية وقال " إني لا آمن يهود على كتابي " فما مر لي نصف شهر حتى تعلمته وحذقته فكنت أكتب له إليهم وأقرأ له كتبهم " رواه البخاري والترمذي وأبو داود
واهتم النبي بالنساء وراعى طباعهن وأعراف المجتمع التي لا تخالف الإسلام فعند زفاف بنت أسعد إلى بيت زوجها نبيط بن جابر الأنصاري رضىالله عنهم قال النبي " يا عائشة ما كان معكم لهو ؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو " رواه البخاري وأحمد عن عائشة رضى الله عنها 0
ولا يخفى من السيرة توظيف النبي لأسماء بت أبي بكر في طريق الهجرة وكذلك السيدة نسيبة بنت كعب التي وفت بيعتها في العقبة الثانية ودافعت عن وجه النبي في أحد وحاربت مسيلمة الكذاب
كما تبين لنا السيرة دور " أزاد " زوجة الأسود العنسي الكذاب مدعى النبوة في اليمن وكيف كانت سببا في إعادة اليمن لدوره الإسلامي
كما تبين لنا السيرة كيف عالج النبي الرأى العام ورفع الالتباس حين وجد الأنصار في أنفسهم بعد توزيع أموال هوازن حيث كثرت القالة منهم فدخل عليه سعد بن عبادة فقال : يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت ، قسمت في قومك واعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب ولم يك هذا الحي من الأنصار منها في شيء قال : فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ قال يا رسول الله ما أنا إلا من قومي قال : فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة .. فأتاهم رسول الله فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال : " يا معشر الأنصار : مقالة بلغتني عنكم ، وجدة وجدتموها عليَّ في أنفسكم ؟ ألم آتكم ضلالا فهداكم الله وعالة فأغناكم الله وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟ قالوا : بلى الله ورسول أمن وأفضل . ثم قال ألا تجيبوني يا معشر الأنصار ؟ قالوا بماذا نجيبك يا رسول الله ؟لله ورسوله المن والفضل . قال أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم : أتيتنا مكذبا فصدقناك ومخذولا فنصرناك وطريدا فآويناك وعائلا فآسيناك أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم ؟ فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار . فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم ، وقالوا رضينا برسول الله قسما وحظا .. والقصة مروية في البخاري ومسلم وعند بعض أصحاب السنن بروايات متعددة عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه.
وهناك مواقف أخرى متعددة لمعالجة النبي للرأى العام يجدها الدارس في مدارسته لغزوة بدر وأحد وصلح الحديبية وحفر الخندق وغيرها من المواقف التي توضح عمل النبي في المجتمع
نموذج قرآني : ذو القرنين
حدثنا عنه القرآن الكريم في سورة الكهف وعن شيء من سيرته {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً ، قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً ، آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً ، فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً ، قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً } الكهف 94 -98
ونتوقف قليلا أمام عمله مع قوم أو " مجتمع " قد حدد مشكلته بوضوح وهي الفساد " إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ " وقد عرف هذا المجتمع حل مشكلته وحددها " سَدّاً " ولكنهم أخطأوا الوسيلة فقد أرادوها من خارج جهودهم وجهادهم " نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً " ولكن طلب منهم قوتهم العملية " فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً " وهكذا طلب ذو القرنين من هذا المجتمع بذل الجهود وتوظيف الطاقات لتحقيق الهدف المنشود " آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا " هكذا تفاعل ذو القرنين مع المجتمع فقاموا جميعا بعمل مشترك ولم يقم ذو القرنين بالعمل وحده نيابة عن هذا المجتمع ولكنه عمل معه ووظف طاقاته فكان توجيه من هنا وفعل من هناك ، وفعل من هنا وتجاوب وعمل من هناك في منظومة عمل مشترك ووظائف لطاقات حتى استحقوا رحمة الله عز وجل حيث قال " هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي "
وهكذا كانت منهجية العمل مع هذا المجتمع نلخصها في :-
1- توصيف المشكلة وحال المجتمع " إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض "
2- تحديد الهدف وهو درء الفساد في الأرض
3- تحديد الوسيلة وهي إقامة السد
4- توعية العاملين وتفعيلهم وهو المجتمع كله أو القوم
5- تحديد الأعمال وتنفيذها وذلك بمشاركة الجميع
يحدد الدارس الدروس المستفادة و كيفية الاستفادة من هذه المواقف في واقع حياته وبيئته ( ورشة عمل )
يستدرك الدارس مزيد من النماذج فى القرآن والسنة (مثل :يوسف عليه السلام – بعضا من الصحابة الكرام)
واجب عملى :
يتدرب الدارس على الأسلوب العلمى لحل المشكلات 0
يشترك الدارس فى النصح والتوجيه المناسب لأطراف المشكلات بالمنهجية التى استفادها مع استنصاح أهل الخبرة والمشورة 0
على الدارس أن يتعرف على من يلقاه ولو لم يطلب منه ذلك 0
يجتهد الدارس أن يقدم بعضا من معانى دعوة الإسلام بلغة غير العربية ويوجه من يعرف من متخصصى ومتقنى اللغات الأجنبية إلى ذلك مع الاستفادة من وسائل الإعلام ومواقع النت غير العربيةفى شرح معانى ومواقف الدعوة 0
يحدث الدارس من حوله بمواقف من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فى تعامله مع كافة شرائح المجتمع 0
التقويم
1- أذكر نماذج من سيرة الرسول في تعامله مع كافة شرائح المجتمع .
2- وضح ما الذي تعلمته شخصياً من مدارستك لهذه المواقف في سيرة الرسول .
3- أذكر نموذج آخر من عندك من سيرة الرسول ونموذج من صحابته .
4- أذكر نموذج ذي القرنين في إرشاده للمجتمع .
5- لخص منهجية العمل على إرشاد المجتمع كما فعل ذو القرنين .
6- وضح ما تعلمته شخصياً من نموذج ذي القرنين .
7- أذكر نموذج عملي عايشته رأيت فيه أحد إخوانك يقوم بدوره في إرشاد المجتمع – موضحاً ما الذي تعلمته من هذا الموقف .
8- أذكر موقف عملي قمت به شخصياً بدورك في إرشاد المجتمع
الهدف المرحلي الرابع : أن يوضح الدارس الأسس أو الطرق العامة لإرشاد المجتمع
الأهداف الإجرائية السلوكية :
1- أن يعدد الدارس الأسس والطرق العامة لإرشاد المجتمع كما ذكرها الإمام البنا
2- أن يوضح الدارس المقصود بكل معلم من معالم إرشاد المجتمع
3- أن يوضح الدارس كيف نحقق كل معلم من معالم إرشاد المجتمع .( ورش عمل )
حدد الإمام البنا رحمه الله سبع نقاط أساسية في معالم مرتبة إرشاد المجتمع وهي :
1- نشر دعوة الخير فيه ( أي في المجتمع ) .
2- محاربة الرذائل والمنكرات .
3- تشجيع الفضائل .
4- الأمر بالمعروف .
5- المبادرة إلى فعل الخير .
6- كسب الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية .
7- وصبغ مظاهر الحياة العامة بها دائما ( أي بالفكرة الإسلامية ) .
1- نشر دعوة الخير في المجتمع .
دعوة الخير هي دعوة الإسلام . فالإسلام يشمل كل خير وكل معروف وكل ما يعود على الإنسانية بالخير في الدنيا والآخرة .
فهي دعوة الحق والعدل والإحسان .
فالمجتمعات لا تتحول إلى الإسلام إلا باستنبات الخير في كل جوانبها فالإرشاد الحقيقي للمجتمع – أي مجتمع إنساني هو بنشر دعوة الإسلام ففيها صلاح المعاش وصلاح المعاد .
وإن نشر دعوة الخير في المجتمع يتطلب من القائم على ذلك :
1- معرفة بما تشمل عليه دعوة الخير من أمور أو قيم لها أولوية وجوب نشرها في المجتمع
2- معرفة وسائل وأساليب نشر دعوة الخير في المجتمع
وقد أفردنا لهذين المطلبين شرحاً وتوضيحاً في أهداف تأتي تالية إن شاء الله
2- محاربة الرذائل والمنكرات
وهي كل ما حرمه الشرع أو قبحه أو كرَّه فيه أو حكم عليه العقل السليم الصحيح بالقبح .
وتعتبر محاربتها أساس رشيد في بناء المجتمع السليم المبرأ من أسباب التخلف والتعويق وغضب الله سبحانه وتعالى .
وإن السكوت عن الرذائل والمنكرات إثم ومعصية " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون " ( المائدة : 78 – 79 )
وفي رواية أبي داود عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه – وفى رواية الترمذى عن حذيفة بن اليمان رضى الله عنه " لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا أو لتقصرنه على الحق قصراً أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم " ( كتاب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جامع الأصول لابن الأثير ) .
فالإسلام يطالب كل أحد من الناس بأن لا يكتفي بالإقلاع عن الرذائل والمنكرات بل لا بد أن يحاربها في كل مجال يستطيع أن يحاربها فيه بادئاً بأهله ومن يليهم ثم أقاربه وجيرانه وأصدقائه ثم في العمل ثم في الشارع ثم في كل مكان تمارس فيه الرذائل والمنكرات وذلك في ضوء القاعدة الشرعية المعروفة أن النهي عن المنكر لا ينبغي أن يؤدي إلى منكر فضلاً عن أن يؤدي إلى منكر أشد منه .
ضوابط للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
أ- لابد من العلم بالمعروف الذي تدعوا إليه والمنكر الذي تنهي عنه وهو الذي يسمي( البصيرة ) .. {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي }يوسف 108 ، وبالنسبة لقدر هذا العلم أو كميته فليست العبرة بالقلة أو الكثرة فقد أخرج البخاري والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله قال : " بلغوا عني ولو آية "
ب- الرفق والقول اللين .. روى الإمام مسلم وأبو داود عن عائشة رضى الله عنها أن النبي
قال "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه" . كما أخرجا عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله يقول " من يحرم الرفق يحرم الخير " وفي رواية " يحرم الخير كله " أخرجه أبو داود
وفي الآية { اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ، فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } طه 43 – 44 .
القائل حاليا ليس بأفضل من موسى وهارون عليهما السلام كما أن المقول له ليس بأخبث من فرعون .
ت- النظر إلى المصالح والمفاسد فإن كانت المصلحة أعظم من المفسدة فيما تقوله أمرا ونهيا وجب عليك الأمر والنهي . وإن كان العكس أي المفاسد أعظم لم يجب عليك بل قد يحرم ( كما في مجموع فتاوى بن تيمية جـ28 صـ 128 ) .
ث- إذا اختلط الأمر عليك ورأيت أن المنكر قد يقل وإن لم يزل بجملته أو أنه يخلفه ما هو مثله فيكون هذا محل اجتهاد ويمكنك استشارة أهل العلم والخبرة والحكمة .
ج- التبليغ بحسب الإمكان والقدرة ويبدأ بالتعريف لمن يجهل الأمر ثم الوعظ والتذكير بالكلام اللطيف والنصيحة والتخويف بالله تعالي لمن يقدم على الأمر ويعلم أنه منكر ثم التعنيف بالقول ثم التهديد والتخويف ثم باليد لصاحب السلطة كالأب في بيته ورئيس العمل في سلطته وصاحب العمل في كيانه الخاص .. وهكذا كل بحسب صلاحيات ما ولاه الله من سلطة
3- تشجيع الفضائل :
الفضائل ضد الرذائل ، وما نزعت الفضائل من مجتمع إلا حلت محلها الرذائل وليس كالإسلام منهج ونظام دعا إلى الفضائل وحث عليها بل أوجبها ليملأ المجتمع بالخير ويقوده نحو ما يصلح دنياه وآخرته .
فالفضيلة كل خلق حسن وكل خير وكل معروف ، وقد روى البيهقى وفى مسند الشهاب أيضا عن أبى هريرة رضى الله عنه قال – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " .
وإن تشجيع الفضائل يحتاج ممن يقوم به أن يقدم القدوة من نفسه ففاقد الشيء لا يعطيه . وكذلك يحتاج إلى عقد العلاقات الطيبة بالتمسك بالفضائل مع تزيينها للناس وتأليف القلوب عليها مع اعتبار أن ما يبذل من جهد ومال في ذلك الأمر هو بذل في سبيل الله .
كذلك يفيد في ذلك قراءة التاريخ وسير الصالحين التي تبرز أهمية وأثر التمسك بالفضائل على المجتمعات .
وإن قصصنا ورواياتنا وأدبياتنا في العالم الإسلامي ينبغي أن تستمد من القيم والمبادئ التي جاء بها الإسلام الحنيف .
ويفيد أيضا إبراز سير الفضلاء وكيف آمنوا بفكرتهم وعاشوا حياتهم وضحوا في سبيلها وكيف انتصرت الفضيلة على لسانهم وفي سلوكهم .
ومما يشجع على الفضائل أيضا بيان جزائها سواء كان حافزاً من الحوافز في الدنيا أو أجراً من الثواب في الآخرة .
4- الأمر بالمعروف :
الأمر بالمعروف هو اسم فعل لكل فعل يعرف بالعقل أو الشرع حسنه كما أن المنكر ما ينكر بهما .
وهو واجب شرعي ، ففي القرآن الكريم " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون " ( آل عمران : 104 ) .
" الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة و أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر " ( الحج : 41 ) .
وقال جل شأنه " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " ( التوبة : 71 ).
وروى الترمذي عن حذيفة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا ثم تدعونه فلا يستجاب لكم ".
وروى الإمام مسلم عن أبي مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس من وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ".
ومن كلمات المرشد الخامس أ. مصطفى مشهور رحمه الله " إن التيار الإسلامي يدعو كل مواطن أن يقوم بواجب النصيحة لغيره وواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للحاكم والمحكومون على السواء فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يمنعن رجلا منكم مخافة الناس أن يتكلم بالحق إذا رآه وعلمه فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو يذكر بعظيم " مسند الإمام أحمد ، وننبه هنا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقتصر فقط على المحيط الضيق في السلوكيات والأخلاق والعادات ولكن الأمر بالمعروف الأهم والأعظم هو ما يتصل بتوجيه البشرية إلى الهداية وطريق الحق والتزام منهج الله وتطبيق شريعته وأن تقوم بتوجيه الرؤساء والملوك إلى ما فيه خير الشعوب بهيمنة دين الله وتنظيمه لكل مرافق الحياة ومجالاتها .
كما أن النهي عن المنكر لا يقتصر على المعاصي والآثام وصور المنكر المعروفة فقط ولكن المنكر الأكبر الذي يجب أن نعمل على إزالته وتغييره هو إبعاد شريعة الله عن الحكم والحكم بغير ما أنزل الله ونهي الطغاة عن الطغيان والظالمين عن الظلم والمتكبرين والمتجبرين عن التكبر والتجبر ، وكلنا نعلم المثل الذي يقول ( يا فرعون من فرعنك قال لم أجد من يردني ) .
5- المبادرة إلى فعل الخير :
المبادرة تعني المسارعة " فاستبقوا الخيرات " ( البقرة : 148 ) . " يسارعون في الخيرات " الأنبياء 90 .
ومن السنة المطهرة روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ( بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافراً ويمسي مؤمنا ويصبح كافراً ويبيع دينه بعرض الدنيا " (جامع الأصول 7464 – صحيح مسلم 118 ).
ومن صميم الأعمال الصالحة والمبادرة إلى فعل الخيرات تفقد المسلم للمجتمع الذي يعيش فيه وتعرفه ما ينقص مجتمعه من أعمال البر والخير فيسارع إلى القيام بها والدعوة إليها .
وكذلك رعاية الأرامل والأيتام والمساكين وأعمال النظافة للشوارع والمحافظة على المرافق العامة والتخفيف عن الناس فيما يعانون من تفريج الكربات عنهم وكذلك الصلح بين المتخاصمين وإزالة أسباب الجفاء والشحناء والتوتر ، وكذلك تجهيز الميت ودفنه وإطفاء الحريق وإغاثة الملهوف والمنكوب وكل ما كان من باب الخدمات الاجتماعية فالمبادرة أو المسارعة فيه هي مسارعة في الخير أو مبادرة إلى فعل الخير .
6- كسب الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية أو إلى جانب منهج الإسلام في الحياة :
هو حشد للطاقات الإنسانية وتحديد للتوجه الديني الذي يجب أن تتوجه إليه .
ومن مقتضيات ذلك أن يكون الفكر أو المنهج مقبولا لدى الرأي العام أولاً ثم ليكون مأمولا ثانيا ثم لا بد أن يكون ميسوراً لا عنت فيه ولا جرح من جانب ثالث .
أي أنه مقبول مأمول ميسور .
والرأي العام الذي تطمع فيه الحركة الإسلامية رأي عام لا يتزحزح عن موقفه فهو رأي يتكون حول مبدأ أو معتقد ، والذين يدينون به يموتون في سبيله وإن الرأي العام بهذا سيكون عامل ضغط هادئ هادف يصر على التغيير دون انفعال أو عنف أو عصبية فمعنى أن يكون الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية بمنهجها المتكامل هو أن يصبح الشارع إسلاميا في لغته وفكره وأعماله وآماله .
وإن ما تعانيه الحركة الإسلامية وهي تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية في الحياة هو أنها لم تكسب الرأي العام بعد إلى جانب الفكرة الإسلامية بالقدر الكافي .
إن الدعوة الإسلامية هي خطاب الله للناس كافة وإن الحركة الإسلامية الحقيقية هي الدعوة والبلاغ يقول أ- مصطفى مشهور " قضايا أساسية على طريق الدعوة ".
هناك من يظن خطأ أن المقصود بالمجتمع المسلم أن يتحول كل أفراد المجتمع إلى تلك النوعية من الفرد المسلم أو الأخ العامل النموذج فهذا أمر يستحيل وليس بالضرورة أن يتحقق ولكن المقصود بالمجتمع المسلم بعد توفر العدد المناسب من الأفراد المسلمين القدوة والبيوت المسلمة القدوة أن يكون باقي أفراد المجتمع مسلمين صالحين متجاوبين مع الحركة الإسلامية وأهدافها متقبلين ليحكم شرع الله وليس بالضرورة أن يكونوا مجندين في الحركة ، فالمجتمع الإسلامي الأول لم يكن جميع أفراده من تلك النوعية التي رباها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة .
ويخطيء البعض في نظرتهم إلى مجتمعاتنا الحالية في أقطارنا الإسلامية إذ لا يعتبرونها إسلامية وربما يصفونها بالجاهلية أو غير ذلك من الصفات ويرتبون على ذلك لونا من الانفصال عنها أو مفاصلتها ويقيمون الحواجز بينهم وبين هذه المجتمعات والحقيقة أن هذا حكم غير دقيق ثم إن هؤلاء الناس هم حقل الدعوة الذي نعمل فيه لتغييره وإصلاح ما ناله من فساد بسبب تسلط الأعداء وأعوانهم ، ومن بين أفراد تلك المجتمعات يكون الاصطفاء وما العاملون في حقل الدعوة الآن إلا أفراد يسر الله تجنيدهم على أيدي من سبقوهم وهكذا تواصل المسيرة سيرها وتلاحمها .
إذن فمفهوم الرأي العام بصفة عامة هو :
أنه فكرة تسود في مجتمع من المجتمعات من خلال وجهة نظر تربط بين أفراد هذا المجتمع لما توجده بينهم من مصلحة مشتركة إزاء موقف أو قضية تثير اهتمام المجتمع .
وحين يكون ذلك المجتمع مجتمعا مسلما فإن مرجعية هذا المجتمع العقائدية ومذهبه الفكري وكل أعرافه الاجتماعية إنما يكون نبع كل ذلك من الإسلام ، وعلى ذلك فالمقصود بتكوين رأي عام إسلامي هو الفكرة التي يجب أن تسود بين المسلمين من خلال وجهة نظر إسلامية تربط بين المسلمين لما توجده بينهم من مصالح مشتركة وأفكار مشتركة إزاء موقف من المواقف أو قضية من القضايا في داخل الوطن الإسلامي بحيث تكون هذه القضية مما يثير اهتمام المسلمين أو يجلب لهم نفعا أو يدفع عنهم ضررا .
والملاحظ أنه كلما كان هناك حرية وعدل وشورى كلما كان الإنسان يملك حرية الفكر والتعبير عما يفكر فيه ، مما يسهم في تكوين الرأي العام وإنضاجه وذلك بقدر ما تتيحه حرية الفكر والتعبير وفرص الحوار والنقاش وتقدير الرأي الآخر والمرونة في القول أو الرفض للرأي المخالف .
وكلما كان هناك استبداد فإنه يحظر التفكير أو التعمير ويتصور أن كل فكرة هي ضده وأن كل تعمير هو معول لهدمه يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ [ المنافقون : 4 ] .
وللرأي العام الإسلامي عدة مكونات أساسية لكل مكون منها أهمية خاصة وهذه المكونات هي :
1- العقيدة الإسلامية السليمة . 2- نظم العبادات والقرب من الله .
3- القيم الخلقية وتنقية المجتمع . 4- الثقافة السائدة في المجتمع .
5- المستوى الحضاري .
ونعرض إلى كل مكون من هذه بشيء من التوضيح :
1- العقيدة الإسلامية السليمة :
تعمل على تنقية العقل من الشوائب :
أ - فالعقيدة في كل دين تمثل رؤية خاصة للكون والحياة وكل مشكلة من مشكلات الحياة بل كل مسألة من مسائلها وكل ما يخص تعامل الناس بعضهم مع بعض .
ب – فهي المعيار الدقيق الذي يعرض عليه الرأي العام ليغربل وينقى ، وتعرض عليه كل قضايا المجتمع ليعاير ذلك كله بمعيار الحق والصدق .
جـ - وهي أهم مكون من مكونات الرأي العام إذ أنه يصدر عنها ويتأثر بها ثم يؤثر فيما حوله ، إحقاقا للحق وإبطالا للباطل ، والقرآن الكريم هو مصدر هذه العقيدة .
2- النظم التعبدية وقرب الإنسان من ربه :
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [ الذاريات : 56] ، فقد جعل الله لعباده نظما لا يُعبد إلا بها ، فمنها ما ينقي القلب ( كالصلاة والذكر ) ، ومنها ما يقوي البدن ( كحل الطيبات وتحريم الخبائث ) ، ومن هذه النظم العبادية ما يصلح التعامل بين الناس ويحقق العدل والإحسان وينظم التعامل مع غير المسلمين ، فالمسلم العابد لله عز وجل له رؤية للناس والأحداث والأشياء تتأثر وفق شرع الله ونظامه الذي حدده .
3- القيم الخلقية :
وهي التي ترسم للإنسان أنواع السلوك في تعامله مع ربه سبحانه وتعالى وكذلك تعامله مع نفسه ومع الناس ، بل مع الحيوان والجماد وكل الأشياء ، والالتزام بهذه القيم لا شك أنه يسهم في تكوين الرأي العام الذي ينتشر في المجتمع ويؤثر في قضاياه .
4- الثقافة السائدة في المجتمع :
وهي منتجات الإنسانية المادية وغير المادية التي تنتقل إليه في الكثير الغالب من جيل إلى جيل ، وهذه الثقافة لها مكونات عديدة ، منها الثوابت كالعقيدة والعبادة والأخلاق ، ومنها المتغيرات من علوم وفنون وآداب وتاريخ وتراث وعادات ومظاهر عامة ونحو ذلك ، وتلك الثقافة بمفرداتها تؤثر تأثيرا قويا في كل قضايا المجتمع المسلم بالقبول حينا وبالرفض حينا آخر .
5- المستوى الحضاري للمجتمع :
والذي يتضح من خلال الرقي العلمي والفني والاجتماعي ، وهو يتأثر بظروف مختلفة مثل طبيعة الأرض وما تزخر به من ثروات وكذلك الظروف المناخية كالحرارة والبرودة والأمطار ، والظروف الاقتصادية من زراعة وصناعة وتجارة وما يتصل بتلك الظروف من تطور وتقدم في تلك المجالات .
وكذلك فإن في الجانب الاجتماعي تؤثر العوامل الإنسانية التي يتمتع بها الشعب كالذكاء أو القدرات العقلية والحيوية والنشاط والمزاج العصبي .
والحضارة الإسلامية تعتمد كليا على نظرة الإسلام للكون والحياة والإنسان وكل قوى الخير أو الشر ، واعتبار أن الإنسان هو أهم المخلوقات في هذه الأرض وأجدرها بالتكريم ومن أجله سخر الله له ما في الأرض وما في السماء ، ومن خلال ذلك التحضر الذي يقوم على احترام الإنسان وتقديره يتكون في المجتمع رأي عام يتأثر بكل مظاهر الحياة وينمي قدرتها علي النهوض بالإنسان وحياته .
ولذلك فإن الرأي العام الإسلامي من شأنه أن يكون على مستوى رفيع من النضج والوعي والحيادية والموضوعية والبعد عن الهوى والتضليل والمغالطات .
مراحل تكوين الرأي العام :
يمر تكوين الرأي العام بعدة مراحل نوجزها فيما يلي :
1- مرحلة الوعي والإدراك العام بالقضايا المحيطة بالإنسان. 2- مرحلة التحاور والاطلاع على الرأي الآخر.
3- مرحلة التفكير العميق والتركيز على أمور بعينها . 4- مرحلة التقارب بين وجهات النظر .
5- مرحلة الاتفاق . 6- مرحلة الوضوح والاستقرار .
ونعرض فيما يلي إلى شيء من التوضيح لكل مرحلة من هذه المراحل :
1- مرحلة الوعي العام بالقضايا المحيطة بالإنسان :
وهي تتأثر بالثقافة العامة للناس وإحساسهم بما يحيط بهم من قضايا : اجتماعية ، أو سياسية ، أو اقتصادية ، أو غيرها .
كذلك تتأثر هذه المرحلة بجملة الاتصالات التي يجريها الفرد في المحيط الذي يعيش فيه وما يجريه من مناقشات واستطلاع آراء وحديث عن أبعاد قضية ما وأهميتها .
كما تتأثر المرحلة بمدى ما لأطراف الاتصال من ثقافة خاصة وبمدى ما لديهم من وعي وإحساس بالقضية المطروحة للتداول .
وكذلك القدرة على :
أ - تصنيف القضية . ب - وتحليل أسبابها . جـ - وتصور الحلول المناسبة لها .
2- مرحلة التحاور والاطلاع على الرأي الآخر :
عندما تُثار قضية ما نتيجة للوعي بها وإدراك أهميتها فإن من صالح هذه القضية وصالح الذين يثيرونها أن يتحاوروا فيها ويستمعوا إلى كل وجهات النظر التي تُطرح من أجلها ، لأن الاطلاع على الرأي الآخر ومناقشته يُعد من أحسن الوسائل لإنضاج الرأي العام ، وهو بمعيار الإسلام نوع من الاستشارة ودعم لمبدأ الشورى وإثراء لحرية الفكر وإطلاق لقدرة التعبير، فإن ممارسة الشورى واجب عبادي وصفة للمؤمنين ومظهر إسلامي وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [ الشورى : 38 ]
وكلما تعددت وجهات النظر حول قضية ما كان ذلك دليلا على اهتمام المتحاورين والمناقشين وجدية تفكيرهم في تحليل الأسباب وتحديد الأبعاد وتحديد كيفية الحل لمشكلاتها وكان ذلك دليلا على قرب الوصول فيها إلى الصواب .
3- مرحلة التفكير العميق والتركيز الدقيق :
فهذا التفكير العميق نتيجة للحوار والنقاش والشورى والاستماع الجيد للرأي الآخر يعني التركيز على أمور بعينها والتدقيق فيها وذلك عند تناول أي قضية ، مثل :
أسباب القضية أو المشكلة،والظروف التي أدت إليها،مع تصنيف هذه الأسباب من حيث قوتها وضعفها، وهل هي من داخل المجتمع أم وافدة عليه من خارجه ؟ فذلك مما يساعد على الوصول إلى الحل .
أبعاد هذه القضية أو المشكلة وإلى أي حد تبلغ في إلحاق الضرر أو الخلل بالمجتمع ؟ وهل هي متأصلة متجذرة في المجتمع أم طارئة عارضة ؟
أهداف هذه القضية أو المشكلة التي يسعى المحركون لها من الأعداء إلى الوصول إليها ، وهل هي أهداف خاصة بطائفة من المجتمع أم بالمجتمع كله أم بالعالم العربي أم بالعالم الإسلامي .
تصور الحلول لهذه القضية أو المشكلة سواء أكانت حلول عاجلة تنقذ موقفا بعينه أم حلول دائمة . ويراعى في ذلك : مناقشة كل حل بحرية الفكر والتعبير – عدم استبعاد أي فكرة لأن صاحبها أساء عرضها أو أنه غير متقبل من الآخرين أو أنه قد جاء بفكرة تُعد شاذة – التأني الهادف أثناء الحوار والنقاش – حشد الأدلة والبراهين وتقديم العون والدعم الملائم – تفنيد الشبهات والمفتريات التي تُثار حول القضية – كشف أصابع الأعداء محليين كانوا أم خارجين .
4- مرحلة التقارب بين وجهات النظر :
هذا التقارب في وجهات النظر لا يأتي عفوا ولا ينبغي أن يكون استجابة لرغبة شخص ما أو جهة من الجهات فما يكون في هذه المرحلة من خوف أو نفاق أو مجاملة إنما هو آفة من الآفات تكون في ظاهرها مسكنا وفي حقيقتها معوقا وألما لا يلبث أن يظهر بعد وقت قصير .
وينبغي أن يكون التقارب بين وجهات النظر من خلال تحليل علمي دقيق يراعي عدة أمور :
أ - وضوح المرجعية التي يتم الاحتكام إليها والمتمثلة في قيم الإسلام ومبادئه وأسلوبه ومدى جلب المصالح ومدى دفع المضار والمفاسد .
ب – تنازل بعض أصحاب الآراء ورجوعهم عن آرائهم يكون نتيجة تقييمها في ميزان هذه المرجعية .
جـ - تغليب وجهة النظر المعينة يكون لما لها من تقبل عند غالبية المتحاورين عن غيرها من وجهات النظر الأخرى .
5- مرحلة الاتفاق :
هي مرحلة مترتبة على مرحلة تقارب وجهات النظر ونتيجة طبيعية لها ، فيحدث فيها اندماج بين الآراء بعد حدوث الاتفاق ، فهذا الاندماج يتضمن اتفاقا صريحا أو ضمنيا على وجهة نظر معينة في القضية المطروحة أمام المتحاورين ، ومن مظاهر إنجاز هذا الاتفاق :
أ - الذي اقتنع برأي بعينه يصبح متبنيا لهذا الرأي ، ولو كان مخالفا لرأيه الشخصي الذي كان قد بدأ بطرحه .
ب – الذي انتمى إلى الرأي المعين الذي حدث اتفاق عليه يدعو لهذا الرأي ويوضح ما يميزه عن غيره ويصبح عندئذ كأن الرأي رأيه الشخصي .
جـ - هذا الرأي المتبنى والمتفق عليه لا يصل به إلى حد التعصب وازدراء الآراء الأخرى ، وإنما الموضوعية هي أساس التعامل مع الرأي المخالف .
د – الانتماء إلى رأي لا يعني إغلاق العقل باب النظر والاجتهاد عن أي عيب يظهر فيه ، فقد يصلح في وقت وظروف ويُعاب في وقت آخر وظرف آخر ، فإن المناقشة والتفكير من متطلبات تغير ظروف الزمان والمكان والناس والأحوال .
6- مرحلة الوضوح والاستقرار :
وهي ثمرة للمرحلة التي سبقتها ، وفي هذه المرحلة يصبح الرأي العام الإسلامي معبرا عن إرادة المجتمع أو الأمة بعيدا عن أي ضغط أو إكراه أو مجاملة أو خوف أو طمع ... وفي هذه المرحلة يصبح الرأي معبرا عن برنامج المجتمع أو الأمة إزاء قضية بعينها وبذلك يصبح لهذا المجتمع أو تلك الأمة رأي عام في قضية من القضايا .
ضرورة الرأي العام في العمل على إرشاد المجتمع :
وبعد .. فإن الرأي العام يعد من ضرورات مناصرة القضايا التي تحقق مصالح الأمة حاليا أو مستقبلا ، وكذلك من ضرورات معارضة كل قضية يترتب عليها إلحاق ضرر حاضراً أو مستقبلا .
فضلا عن أنه يُعد من مظاهر ودلائل رشد المجتمع ووحدة الأمة واتفاقها على ما يجب أن تتفق عليه في أي أمر من الأمور .
فحشد الرأي العام ضروري وحيوي سواء أكانت القضية من النوع الاجتماعي أم الاقتصادي أم الثقافي أم السياسي فإنه دليل عملي لإقامة الحق والعدل والشورى في المجتمع .
ويمكن للدارس أن يتدارس من سيرة رسول الله تكوين رأيا عاما بين المسلمين في عدة مواقف مثل :
عند القتال في غزوة بدر الكبرى .
عند القتال في غزوة أحد .
موقف الأنصار الذي سبق أن ذكرناه في الهدف الخاص بنماذج وأمثلة للعمل مع المجتمع .
كما يمكن للدارس من خلال ورش العمل الاتفاق على أولوية بعض القضايا التي تحتاج إلى تكوين رأي عام ووضع برنامج مرحلي للوصول إلى ذلك .
يمكن للدارس الاستفادة بالتدريب والاستشارة لأهل التخصص والخبرة للمهارات التي يحتاجها في ذلك
7- صبغ مظاهر الحياة العامة بالفكرة الإسلامية :
مما يعزز ويقوي اقتناع الناس بمبدأ الإٌسلام كمنهج للحياة ويخرج هذا الاقتناع من حيز النظرية إلى مجال التطبيق أن تكون مظاهر حياة الناس مصطبغة بصبغة الإسلام وبدون هذا التطبيق يظل الإسلام مجرد نظرية بينما حقيقة الإيمان في مفهوم الإسلام ليس معتقداً يدين به القلب والعقل فقط ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل .
إن مظاهر الحياة العامة تتمثل في عدة أمور وأعمال متداولة في كل الدوائر والمستويات ابتداء من الفرد إلى الأسرة إلى المجتمع إلى الدولة ومؤسساتها .
فالفرد مطالب بصبغ حياته بالإسلام في كلامه وزيه وشكله وحركته وسكونه ومطعمه وملبسه ومشربه ، ومسكنه ونومه ويقظته ، ومعاملته ، وحتى استعداده لموته ولقاء ربه .
وكذلك الأسرة مطالبة بتحقيق الإسلام في القيام بواجباتها وتحصيل حقوقها ، في ترابطها وتماسكها ، الأدوار فيها واضحة للأم والأب والأبناء ، ولكل فيها التزامه الصادر عن فهم وخلق .
فالذي يجاورها أو يتعامل معها يرى فيها الإسلام عملا فضلا عن أن يكون قولا وذلك في كل جانب من جوانب الحياة سواء كان في الأثاث أو اللباس في المطعم والمشرب في الأفراح والأتراح في العادات والتقاليد في العلاقات بين أفرادها وفي العلاقات مع جيرانها وأقاربها وخدمها ومعارفها وضيوفها .
فيبدو عليها الاعتدال والبساطة والعبادة والنظافة .
وكذلك المجتمع بأن يكون كل ما فيه من نظم وآداب وأنماط سلوك مصطبغا بصبغة الإسلام فتبدوا فى العادات والتقاليد والأعراف وفي المرافق والطرقات والمباني وفي الأماكن العامة .
وفي المساجد والمدارس والمستشفيات ومباني الحكومة ، فإن كل ما في المجتمع من نسق يجب أن يتقيد بالنظام والمنهج الذي ارتضاه الإسلام ثم الدولة ومؤسساتها فتبني إصلاحها من الداخل ومحاربة الفساد بها وإضاعة الحقوق وتعاون العاملين بها في ذلك فضلا عن طرح التصورات الإصلاحية التفصيلية المناسبة . كل ذلك من شأنه تحقيق مصالح الناس وهو جزء لا يتجزأ من صبغ الحياة العامة بصبغة الإٌسلام .
واجب عملى :
يتدرب الدارس على المهارات التى تساعده لتكوين الرأى العام مثل (الاتصال الفعال – الإقناع أثناء الحوار و النقاش –التفاعل مع الأحداث 0000 )
يحدد الدارس بعضا من الرذائل والمنكرات التى عمت وانتشرت فى البيئة المحيطة به
أ - ويحدد برنامجا لمحاربتها بالمنهجية الشرعية التى تعلمها (ورشة عمل )
ب –يحدد مجموعة من المحيطين به الواقعين فيها ويضع تصورا لنصحهم ودعوتهم
ج – يتابع مع الصالحين والمصلحين ويتبادل معهم الخبرة فى اسداء النصح و توجيه الدعوة 0
يحدث الدارس من يحيطون به عن أهمية وفضل تطبيق الشريعة الإسلامية ومنهج الله عز وجل 0
يحدد الدارس مواقف للظلم ويضع تصورا لرفع هذا الظلم ويرسل بذلك إلى كاتب – صحيفة – موقع نت – شخصية عامة – مركز حقوق إنسان – 000000 )
يتوجه الدارس إلى أصحاب الأفعال الخيرة بالدعاء لهم مثل ( تقبل الله منكم – جزاكم الله خيرا – 0000 )
يتعرف الدارس إلى الحالات التى تستحق الأولوية بالرعاية والكفالة فى المجتمع المحيط به (أيتام – أرامل – فقراء – حالات عجز – 0000 ) ويجتهد مع غيره من أهل الخير فى كفالتهم
يتدرب الدارس على تجهيز الميت ويشارك فى إعداد الجنازات
يتدرب الدارس على الإسعافات الأولية ويقدمها حسبة لله
يكون الدارس مع آخرين من ذوى الحكمة لجنة صلح بين المتشاحنين والمتجافين
يحدد الدارس مع من يمكنهم معاونته يوما دوريا للنظافة العامة
يجتهد الدارس فى إحياء العادات الإسلامية ومظاهرها فى الحياة من حوله مثل إلقاء السلام – توقير الكبير والعطف على الصغير – الاستئذان قبل الدخول والانصراف – الأفراح والأحزان – اطلاق الأسماء الإسلامية على المشروعات 0000
يشارك الدارس فى ورشة عمل لتحديد القضايا العامة والمحلية ذات الأولوية لحشد الرأى العام مثل القضية الفلسطينية وواجب المسلم نحوها –تطبيق الشريعة الإسلامية – العدل وإطلاق الحريات - ممارسة الشورى – المساواة – عدم التدخل الأجنبى 00000 ونحوها
يشارك فى ورشة عمل لتحديد الأدوار المطلوبة و تقويمها
التقويم
1- وضح المقصود بكل من :
محاربة الرذائل والمنكرات .
تشجيع الفضائل .
المبادرة إلى فعل الخير .
صبغ مظاهر الحياة العامة بالفكرة الإسلامية .
2- وإن نشر دعوة الخير في المجتمع يتطلب من القائم على ذلك :
أ - ......................
ب- .....................
3- اذكر ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
4- للرأي العام الإسلامي عدة مكونات أساسية أذكرها مع توضيح كل مكون
5- وضح مراحل تكوين الرأي العام
6- أذكر بعض القضايا التي تحتاج إلى تكوين رأي عام مع اقتراح برنامج عملي للوصول إلى ذلك .
الهدف المرحلي الخامس : أن يوضح الدارس أمثلة من تاريخ حركة الدعوة للعمل على إرشاد المجتمع .
الأهداف الإجرائية السلوكية :
1- أن يذكر الدارس غاية الإخوان المسلمين ووسيلتهم إلى تحقيق ذلك كما ذكرها الإمام البنا
2- أن يبين الدارس أثر دعوة الإخوان المسلمين في المجالات المختلفة في المجتمع
3- أن يذكر الدارس أمثلة من تاريخ الدعوة للعمل على إرشاد المجتمع
4- أن يذكر الدارس أمثلة عايشها لنماذج من إخوانه قاموا بدورهم في إرشاد المجتمع ( ورشة عمل )
5- أن يذكر الدارس نماذج لأعمال عايشها أو قام بها كان لها دور في إرشاد المجتمع ( ورشة عمل )
6- أن يوضح الدارس كيف أسهم الشهيد الشيخ أحمد ياسين في إرشاد المجتمع .
يقول الإمام البنا موضحاً غاية الإخوان المسلمين ووسيلتهم " إن غاية الإخوان تنحصر في تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح يعمل على صبغ الأمة بالصبغة الإٌسلامية الكاملة في كل مظاهر حياتها ( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ) البقرة 138 .
وإن وسيلتهم تنحصر في تغيير العرف العام وتربية أنصار الدعوة على هذه التعاليم حتى يكونوا قدوة لغيرهم في التمسك بها والحرص عليها والنزول على حكمها .(المؤتمر الخامس )
ثم يقول : أما وسائلنا العامة : فالإقناع ونشر الدعوة بكل وسائل النشر حتى يفقهها الرأي العام ويناصرها عن عقيدة وإيمان ثم استخلاص العناصر الطيبة لتكون هي الدعائم الثابتة لفكرة الإصلاح ...
ثم النضال الدستوري حتى يرتفع صوت هذه الدعوة في الأندية الرسمية وتناصرها وتنحاز إليها القوة التنفيذيةوعلى هذا الأساس سيتقدم مرشحوا الإخوان المسلمين حين يجيء الوقت المناسب إلى الأمة ليمثلوها في الهيئات النيابية .... ( المؤتمر السادس ) .
إن منهاج الإخوان المسلمين محدد المراحل واضح الخطوات فنحن نعلم تماما ماذا نريد و نعرف الوسيلة إلى تحقيق هذه الإرادة .
1- نريد أولاً الرجل المسلم في تفكيره وعقيدته وخلقه وعاطفته وفي عمله وتصرفه فهذا تكويننا الفردي.
2- ونريد بعد ذلك البيت المسلم فى تفكيره وعقيدته وخلقه وعاطفته وفي عمله وتصرفه ونحن لهذا نعني بالمرأة عنايتنا بالرجل ونعني بالطفولة عنايتنا بالشباب وهذا هو تكويننا الأسري .
3- ونريد بعد ذلك الشعب المسلم في ذلك كله أيضا ، ونحن لهذا نعمل على أن تصل دعوتنا إلى كل بيت وأن يسمع صوتنا في كل مكان وأن تنتشر فكرتنا وتتغلغل في القرى والنجوع والمدن والمراكز والحواضر والأمصار لا نألوا في ذلك جهدا ولا نترك وسيلة .
4- ونريد بعد ذلك الحكومة المسلمة التي تقود هذا الشعب إلى المسجد وتحمل به الناس على هدى الإسلام من بعد ما حملتهم على ذلك بأرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر وعمر من قبل ......
5- ونريد بعد ذلك أن نضم إلينا كل جزء من وطننا الإسلامي الذي فرقته السياسة الغربية وأضاعت وحدته المطامع الأوروبية .....
6- ونريد بعد ذلك أن تعود راية الله خافقة عالية على تلك البقاع التي سعدت بالإسلام حينا من الدهر ودوي فيها صوت المؤذن بالتكبير والتهليل ثم أراد لها نكد الطالع أن ينحسر عنها ضياؤه فتعود إلى الكفر بعد الإسلام ...
7- نريد بعد ذلك ومعه أن نعلن دعوتنا على العالم وأن نبلغ الناس جميعا وأن نعم بها آفاق الأمم وأن يخضع لها كل جبار حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم .
ولكل مرحلة من هذه المراحل خطواتها وفروعها ووسائلها : ( رسالة إلى الشباب )
ولكل خطوة من هذه الخطوات أهمية خاصة وارتباط وثيق بالخطوة التي تسبقها والتي تليها :
إن الفرد المسلم هو اللبنة الأساسية في البناء سواء في البيت المسلم أو المجتمع المسلم أو الحكومة المسلمة وبقدر ما ينال الفرد من قسط وافر من التربية بقدر ما يكون البناء متينا فأي تقصير في مجال التربية للأفراد يعتبر ضعفا في الأساس يعرض البناء للانهيار إن عاجلا أو آجلا ( طريق الدعوة بين الأصالة والانحراف ص 42 ) .
إن هذه القاعدة الصلبة من المهاجرين الأوائل هي التي انضم إليها السابقون من الأنصار ليكونوا القاعدة في المدينة قبل بدر – وليكونوا هم الحراس الأقوياء الأشداء في فترة التخلخل التي أعقبت النصر في بدر بالتوسع الأفقي الذي جاء بأعداد جديدة لم تنضج بعد ولم تتناسق مع القاعدة في مستواها الإيماني والتظيمي . وأخيرا فإن القاعدة الأصلية اتسعت أبعادها قبيل الفتح حتى صارت تمثل المجتمع المدني بجملته هي التي حرست الإسلام وصانته من الهزات بعد الفتح ثم من الهزة الكبرى بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتداد الجزيرة عن الإسلام . ( الظلال ص 1577 ) .
وفي المؤتمر الصحفي الذي عقد بدار المركز العام بمناسبة مرور عشرين عاما على قيام أول تشكيلة للإخوان ألقى الإمام بيانا جاء فيه ( مجلة الإخوان المسلمون سبتمبر 48 ) .
أكثر الناس لا يعرفون إلا أن الإخوان يريدون إقامة الحدود الإسلامية وهذا في الحقيقة تصور قاصر فإن الإخوان يريدون إحياء النظام الإسلامي الاجتماعي الكامل وهو كل لا يقبل التجزئة ووحدة متكاملة بكل مظاهره من حيث المثل العليا الاجتماعية أولاً على أن قضية الحدود الإسلامية نفسها لم يفهمها الأكثرون على وضعها الإسلامي الصحيح ولو فهموا لعرفوا أنها أعدل وارحم واحكم تشريع لمكافحة ناجحة تفوق أحدث النظريات القانونية والنفسية والاجتماعية للتشريع الحديث ....
وليست حركة الإخوان المسلمون " حركة طائفية موجهة ضد عقيدة من العقائد أو دين من الأديان أو طائفة من الطوائف إذ أن الشعور الذي يهيمن على نفوس القائمين بها أن القواعد الأساسية للرسالات جميعا قد أصبحت مهددة الآن بالإلحادية والإباحية وعلى الرجال المؤمنين بهذه الأديان أن يتكاتفوا أو يوجهوا جهودهم لانقاذ الإنسانية من هذين الخطرين الزاحفين ...
....... ولا يكره الإخوان المسلمون الأجانب النزلاء في البلاد العربية والإٌسلامية ولا يضمرون لهم سوءا ، حتى اليهود المواطنون لم يكن بيننا وبينهم إلا العلاقات الطيبة أما اشتراكهم الفعلي في مساعدة العصابات الصهيونية بفلسطين بكل صنوف المساعدة فلم يكن بد من أن يشعروا بأن هذا المسلك المعوج الخاطيء قد أفقدهم العطف .
ومنهجية الإمام البنا تعتمد الانفتاح على المجتمع بانطلاق لا انغلاق فيه وهي أيضا تعتمد على التدرج في الخطوات ولا تلجأ إلى القفز فوق الاعتبارات الواقعية والسنة الكونية والأصول الشرعية ...
فنجده في رسالته إلى الشباب يقول :
يخطئ من يظن أن الإخوان المسلمين يتبرمون بالوطن والوطنية فالمسلمون أشد الناس إخلاصا لأوطانهم وتفانيا في خدمة هذه الأوطان واحتراما لكل من يعمل لها مخلصا ... ولكن الفارق بين المسلمين وبين غيرهم من دعاة الوطنية المجردة أن أساس وطنية المسلمين العقيدة الإسلامية فهم يعملون لوطن مثل مصر ويجاهدون في سبيله ويفنون في هذا الجهاد لأن مصر من أرض الإسلام وزعيمة أممه كما أنهم لا يقفون بهذا الشعور عند حدودها بل يشركون معها فيه كل أرض إسلامية وكل وطن إسلامي ..
وحسبك من وطنية الإخوان المسلمين أنهم يعتقدون عقيدة جازمة لازمة أن التفريط في أي شبر أرض يقطنه مسلم جريمة لا تغتفر حتى يعيدوه أو يهلكوا دون إعادته ولا نجاة لهم من الله إلا بهذا .
ويخطيء من يظن أن الإخوان المسلمين دعاة كسل أو إهمال فالإخوان يعلنون في كل أوقاتهم أن المسلم لا بد أن يكون إماما في كل شيء ولا يرضون بغير القيادة والعمل والجهاد والسبق في كل شيء ، في العلم وفي القوة وفي الصحة وفي المال ، والتأخر في أية ناحية من النواحي ضار بفكرتنا مخالف لتعاليم ديننا...
ويخطئ من يظن أن الإخوان المسلمين دعاة تفريق عنصري بين طبقات الأمة فنحن نعلم أن الإسلام عني أدق العناية باحترام الرابطة الإنسانية العامة بين بني الإنسان في مثل قوله تعالى " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا " ( الحجرات :13 ) كما أنه جاء لخير الناس جميعا ورحمة من الله للعالمين .....، وأوصى بالبر والإحسان بين المواطنين وإن اختلفت عقائدهم وأديانهم ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ) ( الممتحنة 8 ) كما أوصى بإنصاف الذميين وحسن معاملتهم.
( لهم ما لنا وعليهم ما علينا ) نعلم كل هذا فلا ندعو إلى فرقة عنصرية ولا إلى عصبية طائفية ولكننا إلى جانب هذا لا نشتري هذه الوحدة بإيماننا ولا نساوم في سبيلها على عقيدتنا ولا نهدد من أجلها مصالح المسلمين وإنما نشتريها بالحق والإنصاف والعدالة وكفى فمن حاول غير ذلك أوقفناه عند حده وأبنا له خطأ ما ذهب إليه ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ويؤكد على هذا المعنى في خطابه أمام رؤساء المناطق فيقول : على أننا نعود فنقول أي نظام في الدنيا ديني أو مدني استطاع أن يفسح في قلوب المؤمنين به والمتعصبين له والفانيين فيه لغيرهم من المخالفين ما أفسح من ذلك الإسلام الحنيف الذي يفرض على المسلم بكل نبي سبق وبكل كتاب نزل وأن يثني على كل أمة مضت وأن يحب الخير لكل الناس وأن يكون رحيما بكل ذي كبد رطبة حتى أن الجنة لتفتح أبوابها الثمانية لرجل أطفأ ظمأ كلب ، وتسعر النار بأعمق دركاتها لامرأة حبست هرة ، ما أعظم هذا الدين الرحيم لا يمكن إلا أن يكون مصدر حب ووحدة وسلام ووئام .
وأورد أ. عباس السيسي رحمه الله في كتاب حسن البنا مواقف في الدعوة والتربية يقول : أيقظت حركة البنا بالدعوة خلال عشرين عاما النفوس بعد ثبات عميق وفجر أسلوبه ومنهجه في التربية للنفوس التي أيقظها طاقات إنسانية ضخمة ساعدته على الانطلاق في الحياة المصرية وأمكنته من إنشاء مؤسسات وتقديم خدمات متعددة حتى بدت وكأنها مؤسسات وخدمات دولة وليست فئة أو جماعة .
ثم يستعرض ما قدمه الأستاذ شوقي ذكي في بحثه في هذا الموضوع ونقتطف منه هنا البعض اليسير :
في مجال الثقافة الإٌسلامية ....... لا نغالي عندما نقول بأن حركة الإخوان المسلمون أثرت المكتبة الإسلامية وملأتها بشتى الموضوعات والمؤلفات والكتابات وقدمت للبشرية تراثا فكريا هادفا في أصول الإسلام كمنهج حياة .... في العقائد وأصول الدين ... في القرآن وعلومه .. في الحديث وعلومه ... في السنة وحجيتها .... في الفقه والتشريع ...في السيرة والتاريخ ... في الأدب واللغة والاجتماع والفلسفة والسياسة والعلوم التطبيقية إلخ .
لقد أرست حركة الإخوان المسلمون دعائم الفكر الإسلامي المعاصر وأصبحت كتابات الإمام البنا والشيخ الغزالي وسيد قطب والقرضاوي وعبد القادر عودة وعبد البديع صقر ومحمد قطب والشيخ سيد سابق وأنور الجندي وسعيد حوى وفتحي يكن وغيرهم ... لهم الريادة الفكرية بلا منازع ....
.... عرف الإخوان أثر الصحافة على الرأي العام وأنها من أوسع وسائل الإعلام سرعة وانتشارا فكان حرصهم شديدا من أول يوم على أن تكون لهم صحافتهم التي تعمل على نشر الثقافة والدعوة الإسلامية وإيجاد رأي عام إسلامي .
من أهم ما صدر للإخوان من صحف هي جريدة الإخوان المسلمون اليومية ومجلة الإخوان المسلمون الأسبوعية التي كانت تصدر كل سبت . الكشكول الجديد – الشهاب الشهرية – ومجلات : المباحث – الدعوة – منبر الشرق – منزل الوحي – المسلمون : صدرت بعد محنة 48 .
وفي مجال الخدمات التعليمية ..... ساهموا مساهمة فعالة في نشر التعليم فأنشأوا لجنة للعناية بالثقافة تابعة للجنة التربية للمركز العام سنة 46 وأنشأوا لجنة لإنشاء المدارس الابتدائية والثانوية خاصة لها طابع إسلامي وقد حققوا من ذلك – فتح عدد من المدارس لمحو الأمية وتنمية الثقافة الدينية بالمجان .
مكاتب لتحفيظ القرآن الكريم نهارا.
مدارس ليلية لتعليم العمال والفلاحين .
أقسام خاصة للراسبين في الامتحانات العامة يتولى التدريس فيها أساتذة أخصائيون .
شعب لتعليم الصبيان الذين حرموا من التعليم لاشتغالهم بالصناعات .
معاهد لتعليم البنين ( خصوصية ).
معاهد أمهات المؤمنين لتعليم البنات .
دور للصناعات ملحقة بالمعاهد يتعلم فيها الذين لا يستطيعون إتمام التعليم .
المؤسسات والخدمات الاقتصادية :
ينص قانون الإخوان على أن من أغراضهم ( تنمية الثروة القومية وحمايتها وتحريرها ) أنشأوا لتدعيم الاقتصاد الوطني الشركات الآتية :
شركة المعاملات الإسلامية سنة 39 وتطورت سنة 45 بدأت بـ 4000 جنيه وتطورت 20000 جنيه قامت الشركة بإنشاء خطوط نقل فأقامت مصنعاً للنحاس وآخر للبلاط والأسمنت بجميع أنواعه .
الشركة العربية للمناجم والمحاجر سنة 47 برأس مال ستين ألف جنيه وفي سنة 48 اتحدت مع شركة المعاملات الإسلامية لتوحيد الجهود وتكامل الإنتاج .
شركة الإخوان المسلمون للغزل والنسيج سنة 48 برأس مال ثماني آلاف جنيه قامت الحراسة بتصفيتها وبيعها نهائيا أثناء فترة الحل .
شركة الإخوان للطباعة رأس مال سبعون ألف جنيه .
شركة الإخوان للصحافة برأس مال خمسون ألف جنيه وسبقت هذه الشركة في بدء النشاط حيث أصدرت الجريدة اليومية التي كانت تطبع في دار البلاغ حتى تم تأسيس دار الطباعة .
شركة التجارة والأشغال الهندسية بالأسكندرية وشركة التوكيلات التجارية بالسويس والتي صار لها مركز بالقاهرة وعدة فروع بباقي الأنحاء .
شركة الإعلانات .
والملاحظ أن رأسمال الشركات بدأ بأسهم صغيرة جدا يشترك فيها آلاف الأفراد بعكس ما ألف الناس في الشركات الرأسمالية التي يملك غالبية أسهمها قلة من طبقة الملاك في الأعيان .
المؤسسات والخدمات الاجتماعية :
عمل الإخوان من أول يوم على الإصلاح الريفي وأسسوا جماعة العناية بنهضة القرى المصرية واشترك بعض الإخوان في عمل مزرعة تعاونية نموذجية في فرشوط وتبارت شعب الإخوان في إطعام الفقراء وإنارة القرى وعمل لجان للزكاة والعناية بالمصالحة بين المتخاصمين وتولت بعض الشعب إحصاء الأطفال المشردين والأسر الفقيرة لتشغيل الأطفال وإعالة العجزة الذين لا عائل لهم . ولهذا فقد أنشأوا قبل صدور القانون 45 الخاص بتنظيم الجماعات والمؤسسات الخيرية مكتبا خاصا للمساعدات الاجتماعية لرعاية الأسر الفقيرة على أساس عملي صحيح وحينما صدر القانون سنة 45 تطور هذا المكتب قسما مستقلا له لائحته الخاصة وسمى باسم " جماعات أقسام البر والخدمات الاجتماعية للإخوان المسلمون " واتسعت دائرة نشاط إلى تقديم خدمات صحية وثقافية إلى جانب ما كان يقوم به مكتب المساعدات الاجتماعية من خدمات .
وقدمت أقسام البر والخدمات الاجتماعية خدمات كثيرة لا سبيل إلى حصرها وكان له حتى سنة 48 خمسمائة شعبة في أنحاء مصر تشرف عليها وزارة الشئون الاجتماعية .
التربية البدنية والكشافة :
كان للإخوان أندية كبرى في كل من الإسماعيلية وطنطا والمنصورة وبورسعيد والسويس ورأس غارب ومنوف وبني سويف والمنيا ودمنهور وحلوان وشبين الكوم ، اشتركت فرقها الرياضية في كثير المباريات وحازت بطولات مسجلة في الاتحادات المصرية واللجنة الأهلية .
في مجال الكشافة في سنة 39 قام أول تشكيل عام للحركة الكشفية في محيط الإخوان وفي بداية 41 كان تعداد جوالة الإخوان ألفي جوال وفي عام 42 أصبح خمسة عشر ألفا وفي عام 46 أصبح العدد ستون ألفا ومنذ دخول نظام الكشافة مصر كانت الفرق تنشأ على أسس فئوية طلابية أو عمالية أما فرق الإخوان فترى في الفرقة الواحدة الطالب بجانب العامل والفلاح بجانب المدرس والتاجر بجانب الموظف وإمام المسجد والصانع بجانب المهندس والمرءوس بجانب الرئيس والشاب بجانب الشيخ ذلك أن هؤلاء جميعاً لم ينخرطوا في سلك الجوالة إلا بعد أن صهروا في بوتقة الدعوة الإسلامية ثم صيغوا من جديد صياغة نزعت من نفوسهم الأنانية والأثرة والكبر والتعالي وحل محلها روح الأخوة والإيثار والتواضع والحب .
ومن أثار الجوالة في المجتمع المصري :-
........كان اليأس يخيم على النفوس والسلبية والانهزامية .. فجاءت جوالة الإخوان ببرامجها ومناهجها وأساليبها الإصلاحية وأناشيدها الحماسية فأيقظت الخامل وزرعت الأمل في نفس اليائس وأحيت مفاهيم الجهاد وبعثت الإيجابية وروح الفتوة والشجاعة في النفوس .
في سنة 45 انتشر وباء الملاريا في صعيد مصر جندت قيادة الإخوان جميع أفراد جوالاتها في هذه المناطق لمواجهة الخطر فعملوا جنبا إلى جنب مع موظفي وزارة الصحة وهيئات الهلال الأحمر .
وفي هذا الوقت العصيب جاء بلاء الفيضان الذي عم القرى ودمرها فكانت الجوالة هم الحراس الذين قاموا بحراسة الجسور والتبليغ عنها والعمل مع الأهلين ورجال الإدارة في إنشاء التحصينات التي تقي الفيضان .
في 47 انتشر وباء الكوليرا في مصر خاصة الوجه البحري ووضع الإمام البنا سبعين ألف جوال من " جوالة الإخوان المسلمون " تحت إمرة المسئولين في وزارة الصحة والجهات المعنية ... فساهموا في النشاط الطبي أحسن مساهمة .
دقة في الاتصال وسرعة التبليغ عن الحالات المصابة ومحاصرة القرى الموبوءة ومنع دخول أحد أو خروجه منها وعزل الأصحاء عن المرضى ونشر الإرشادات الصحية والقيام بأعمال النظافة وتطهير المساكن بالمطهرات وكان تقدير المسئولين في ذلك الوقت ما أعلنه وزير الصحة د . نجيب اسكندر من الإشادة بمجهود جوالة الإخوان كما رأت وزارة الشئون الاجتماعية أن تقدم لشباب الإخوان مكافآت مالية تقديراُ لدورهم ولكن الأستاذ المرشد رفض هذه المكافآت فقد كانوا يقومون بواجبهم الوطني الذي يفرضه عليهم دينهم وعقيدتهم ومشاعرهم الإسلامية .
المساهمة في ميادين الخدمة العامة في محيط القرية المصرية قاموا بتنظيف حواريها وشوارعها وأوجدوا فوانيس لإضاءتها ونشروا الوعي الصحي وحاربوا الجهل بفصول محو الأمية وشكلوا مجالس مصالحات .
ومن نشاط الأخوات المسلمات : وقد أنشأ قسم الأخوات المسلمات سنة 44
تصميم زي إسلامي ونشره في الوسط النسائي
التربية الدينية للسيدات وقد بدأ القسم بإقامة دروس عامة في كل حي من الأحياء ثم قاموا بتقسيم الأخوات إلى مجموعات متقاربة في السن والثقافة سنة 45 .
إنشاء دار التربية الإسلامية للفتاة بالمنيرة وكانت تتكفل بالمأكل والملبس والسكن والرعاية فكانت أشبه بمدرسة داخلية وقسمت البنات صفين دراسيين يدرس للبنات بها القرآن الكريم والدين . و تتضمن برنامج ثقافي لتعليم الحياكة والتطريز والأشغال اليدوية وشغل الإبرة والتمرين على إدارة المنزل وبعض الألعاب الرياضية .
نشر الثقافة الصحية بتنظيم دورات علمية وعملية في وسائل عمل الإسعافات الأولية المنزلية كتنظيف الجروح وتضميدها وإعطاء الحقن .
مدرسة للداعيات بانتقاء صفوة من الأخوات لإعدادهن لتصبح الأخت منهم قادرة على أن تحل محل المدرس في الدرس العام إذا تغيب .
نشر الدعوة الإسلامية في المحيط النسائي بإصدار النشرات وتوزيعها في المنازل وبين طالبات الجامعات وبزيارات منزلية وتكوين صداقات لنشر الفكرة وفض المنازعات .
يقول أ. مصطفى مشهور في ( التيار الإسلامي ودوره في البناء ) :-
تعالوا أيها المواطنون جميعا حكاما ومحكومين لنتفق عن اقتناع أن الأحوال في وطننا سيئة وتزداد سوءا ولنتفق عن اقتناع أنه لابد من التحرك السريع لنتدارك الحال قبل فوات الأوان ولنتفق عن اقتناع أنه لا بد من وضع خطة لبناء هذا الوطن بناء جديدا وليس ترميما ، ولنتفق جميعا عن اقتناع على الفلسفة التي يقوم عليها هذا البناء ، وأن تكون نابعة من الإسلام عقيدة هذا الشعب ودينه الرسمي ، ولنتفق جميعا عن اقتناع بفشل المبادئ الأرضية التي وضعها بعض البشر في بلاد مختلفة وأزمان متغايرة . إننا نطالب كل مواطن أن يعطي هذا الأمر ما يستوجبه من اهتمام وتفكير فالأمر جد وما هو بالهزل ، إنه يتعلق بمصير هذا الوطن ومستقبله وكيف نجنبه المخاطر التي يخطو إليها ويقترب منها كل يوم ، وكيف نحمي أبناءنا وأجيالنا القادمة من مستقبل في غاية السوء إذا استمر الحال على ما هو عليه دون تدارك ........إننا ندعو كل المنصفين وأصحاب الأقلام الحرة وكل المفكرين وأصحاب الخبرة في التخصصات المختلفة التي تتصل بقضية البناء أن يسهموا بأقلامهم وخبراتهم المتخصصة في إحداث هذا التحول الذي نريده ، التحول عن المبادئ الأرضية وما خلفته من تجارب مريرة ونتائج خطيرة إلى الحل الأمثل النابع من العقيدة التي يعتنقها الغالبية العظمى من هذا الشعب الذي يؤمن بصلاحه الفاهمون الواعون من الأقلية غير المسلمة .
إننا نهيب بأهل الاختصاص في الاقتصاد والاجتماع والسياسة والقانون والتعليم وغير ذلك أن يشاركوا في إظهار جمال الحل الإسلامي وأحقيته بالتطبيق وإظهار ما في غيره من نقص وقصور ، ونحسب أن حرية الكتابة مكفولة إلى حد معقول ، ولن يضار كاتب بما يكتب إن شاء الله ..........
.........إننا نأمل أن يسود الاقتناع بفشل النظم الوضعية وأحقية الحل الإسلامي عند كل فئات الشعب بالحجة والدليل بحيث ننطلق جميعنا إليه بكل طاقاتنا وقدراتنا دون التفات إلى الوراء ........إن طريقنا يتفق مع سنة الله في التغيير " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " الرعد 11 )) مطلوب تغيير الفرد والأسرة والمجتمع ، تغيير المفاهيم والتصورات والأخلاق والهمم وكل مقومات الفرد والبيت والمجتمع بحيث تتفق وتعاليم الإٌسلام وآدابه ، وكما هو معلوم أن بناء الرجال أهم وأشق من بناء المؤسسات والمصانع . ( التيار الإسلامي ودوره في البناء ).
ويبين أ . جمعة أمين في ( في ركائز المشروع الحضاري الإسلامي ) :-
إن الحياة الإسلامية لا تبنيها النصوص والنظم والهياكل فقط ، إنما يرفع قواعدها ويثبت أركانها المؤمنون بها المضحون من أجلها العاملون لتحقيق أهدافها . ( ركائز المشروع الحضاري أ. جمعة أمين )
وإن سيادة الإسلام لا تتم إلا بعد أن تسود في المجتمع حقيقة وليس شعاراً وكلاما وشكلا أو مظهرا كليات وشرائع الإسلام مبتدئين بتربية الفرد حتى يتغير من داخله أولاً .
وإن هذه السيادة لدين الله بهذا المعنى تكون شاملة لوحدات المجتمع جميعها أفراداً ومؤسسات ، لأن الإسلام ليس دينا للأفراد فحسب ولكن دين الجماعة متمثلا في مؤسسات المجتمع الخاصة والعامة لذلك لا تتحقق سيادة الإسلام إلا إذا تناول كلا من الأفراد والمؤسسات وإن هذه السيادة لدين الله لا تتحقق في الأمة قسراً أو قهراً أو كرهاً أو جبراً لأن الأمر إقامة دين وليس الاستيلاء على السلطة فالأولى إقامة بناء وتربية وإقناع وإيمان ، والثانية سطو وقهر واستيلاء وفرض وأمر ، ومن ثم فإنه يجب أن يتم عن إرادة واختيار فالأمر ليس استبدال حكومة بحكومة أخرى بقدر ما هو تغيير منهج تفكير دنيوي للحياة بمنهج آخر رباني ، والاستبدال لا يعني مجرد سيادة المنهج ولكن استمرارية المنهج ودوامه ولذلك ينبغي أن يقوم المنهج على جذور عميقة وعريقة في المجتمع .
وإن هذه السيادة لدين الله ليست قضية وطنية أو محلية تهم قطر دون قطر ولا قضية إقليمية تهم إقليم دون إقليم ولكنها قضية أمة وإلا ما أصبح الإسلام ( قيمة العالم أجمع كما أراده الله ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) الأنبياء : 107
ومن الأمثلة في عصرنا الحاضر نذكر على سبيل المثال بعض المواقف المتفرقة للإمام البنا رحمه الله :
فقد مرت بمصر فترة انتشر فيها قطاع الطرق ليلا ، وقد انتهت تلك الحال من زمن بعيد.. يشيرون للسيارات بالوقوف إنقاذا لأزمة فإذا وقفت السيارة انقضوا عليها وسلبوا أموال وملابس الراكبين ، وفي تلك الفترة كان حسن البنا مرشد الإخوان عائدا إلى القاهرة بعد منتصف الليل فرأى سيارة على جانب الطريق ورجلا يشير بالوقوف ، فلم يتردد لحظة وطلب من الأخ الذي كان يقود السيارة أن يقف ، ونزل بمفرده يسأل الرجل عما يطلب فأخبره أن بنزين سيارته فرغ وطلب مددا من البنزين وفي ذلك الوقت لم تكن الكلاكسات قد انتشرت بل كان التنبيه بالنفير وهو بوق معدني ينتهي بقطعة من الكاوتشوك مفرغة إذا ضغط عليها أحدثت صوتا فنزع الإمام الشهيد الجلدة من البوق وملأها بنزينا عدة مرات من خزان سيارته وأفرغها في سيارة الرجل كل ذلك ولم يسأل الإمام الشهيد الرجل عن اسمه أو هويته أو دينه أو عمله ، ودهش الرجل من هذه المعاملة النبيلة فقدم نفسه إلى الإمام الشهيد قائلا : أنا محمد عبد الرسول القاضي في محكمة القاهرة ، من أنت ؟ قال الإمام الشهيد في تواضعه المعروف : أنا حسن البنا المدرس في مدرسة البنين الابتدائية ، فسأله القاضي : حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين ؟ قال الامام الشهيد نعم . ومن يومها وكان المرحوم محمد عبد الرسول أحد الألسنة الطاهرة التي تدافع عن الاخوان المسلمين في الوسط القضائي .
وموقف آخر يرويه الاستاذ البهي الخولي يقول : كنت أركب سيارة من سيارات الأتوبيس الريفية مع الداعية المشار اليه بالبنان ووقفت بنا السيارة عند احدى نقط المرور فأخذ الجندي يعد الراكبين ويؤدي واجبه المعتاد نحو كل سيارة وإذا برجل كان يجلس مع الجندي يقبل على فضيلته ويسلم عليه ويقبل يده ويدور بينهما الحديث القصير الآتي :-
مش فضيلتك فلان ؟
قال أنا فلان من مواليد هذه القرية وأهلي بها .
قال فضيلته : ومن أين تعرفني ؟
قال : رأيتك في شعبة الإخوان المسلمين بإمبابة تخطب .. وأنا عامل أطلب العيش هناك فأتردد أحيانا
على الشعبة وأنا هنا الآن في زيارة قصيرة لأهلي ...
وهنا كان جندي المرور قد أتم إجراءاته العادية واستأنفت السيارة سيرها فالتفت إليّ فضيلته
وقال : لقد تألفت في هذه القرية شعبة فعجبت وقلت هل أفضى لك هذا الرجل بشيء لم أسمعه عن هذه الشعبة ؟ قال لا ولكن هذا كلام في الله لن يضيعه .. سيجلس الرجل مع من كان معه الآن فيقولون له من هذا الذي سلمت عليه ؟ فيقول لهم إنه فلان ، فيقولون له : وما شأن فلان هذا ؟ فيقول إنه يدعو إلى كذا وكذا ويقول في دعوته كيت وكيت .
ويعلق الأستاذ البهي الخولي على ذلك الموقف بقوله أي شعور كان يملأ قلب هذا الداعية حين رأى في تلك الكلمات القصيرة كل هذه المعاني الجليلة ؟ إنه شعور الثقة بالأجر المعجل والثمر الحاضر ، شعور اليقين الذي يدرك حقيقة الحق وأثره في هذه الحياة ..... ومن هنا ترى الداعية الحق يفطن لكل كلمة يلقيها في دعوته كما يفطن لكل كلمة تمر به من كلمات الحق ونكتفي هنا بأمثلة الإمام البنا فأمام الدارس الوفرة التي تمكنه من الإطلاع على تاريخ ونشاط الإمام البنا والجماعة في هذا الميدان
وكتب الأستاذ عبد البديع صقر رحمه الله : ورد في تاريخ الجزائر أن المندوب السامي الفرنسي كان يقول صراحة ( جئنا لطمس معالم الإسلام ) وحدث أن استدعى شيخا اسمه عبد الحميد وقال له ( إما أن تقلع عن تلقين تلاميذك هذه الأفكار وإلا أرسلت جنودا لقفل المسجد الذي تنفث منه هذه السموم ضدنا وإخماد أصواتكم المنكرة ) فأجاب الشيخ عبد الحميد بقوله ( أيها المسيو الحاكم : إنك لا تستطيع ذلك ) فاستشاط غضبا وقال كيف لا أستطيع ؟ فقال له : ( إذا أنا كنت في عرس علمت المحتفلين ، وإذا كنت في مأتم وعظت المعزين وإن جلست في قطار علمت المسافرين ، وإن دخلت السجن أرشدت المسجونين وإن قتلتموني التهبت مشاعر المواطنين وخير لكم أيها المسيو ألا تتعرضوا للأمة في دينها ولغتها )
ومن الحاضر الذي نحياه نأخذ مثالا ومواقف للشيخ الشهيد أحمد ياسين ( شيخ قعيد أيقظ الأمة )
في مدرسته جعل من نفسه منذ وضع قدمه فيها النواة التي يلتف حولها الطلاب المجدون ووجههم إلى المسجد ( مسجد الكنز في حي الرمال في ذلك الوقت ) ليكمل لهم عقب صلاة العصر ولمرتين أسبوعيا ما لم تتسع له حصصهم المدرسية وسر بذلك أولياء الأمور إلا بعضهم فقد جاء أحد كبار ضباط السلطة ليشكو للناظر ان هذا المدرس الذي يجمع الأولاد في المسجد وهو ما لم يتعود عليه الناس ولما كان الله قد قيض للشيخ أحمد ناظرا كالأستاذ محمد الشوا فقد أجاب الضابط بما أفحمه وأقنعه ( أنا سعيد جدا بهذا المدرس وسأقدم له كتاب شكر على ذلك فأين لنا المدرس الذي يدرس الدين عمليا في المسجد ؟ ! وحبذا لو كان في كل مدرسة في القطاع مدرس مثله ) .
وموقف آخر لأحد أولياء الأمور وكان طبيبا شيوعيا فقد جاء الطبيب للناظر وقال( يا عمي قبلنا أن يصلي الولد وقبلنا أن يذهب إلى المسجد ، أما أن يصوم اثنين وخميس من كل أسبوع فهذا أمر صعب ولا نقبل به ) وكانت إجابة الناظر نفس الإجابة الأولى في الموقف السابق
وموقف ثالث يروى عنه رحمه الله : كان من المعتاد في القطاع إجراء حفل سنوي للطلاب للاحتفال بأعياد النصر لخروج القوات الإسرائيلية من قطاع غزة ( بعد سنة 56 ) ووقع الاختيار على أربعة فتيات من جيران الشيخ احمد للمشاركة في الرقصات أثناء الحفل فحرض الشيخ أولياء الأمور على الرفض فأمر مدير التعليم بفصلهن من المدرسة ، فاتصل الشيخ وأولياء الأمور بمساعد الحاكم العسكري العام وهددوه بأن مخيم الشاطئ على موعد غدا مع مظاهرة كبرى احتجاجا على هذا التصرف وعلم الحاكم الإداري بالقصة فعنف مدير التعليم وأمره بإعادة البنات فورا إلى مدارسهن ولم يشاركن في الحفل الراقص
تدرج الشيخ أحمد ياسين في العمل كخطيب للجمعة ومتحدث بعدها أو قبلها فمن مسجد الشاطئ إلى مسجد الكنز إلى مسجد العباسي ليصبح بعد الاحتلال أشهر خطيب عرفه القطاع كما أنه طور العمل في المسجد طبقا لرسالته الحقيقية الأولى فجعل دروسا للنساء ودروسا للرجال وثالثة للأطفال ولأول مرة تشهد المساجد حركة نسائية .
ولم يكتف باستقطاب جمهور المصلين فحسب بل أسس صناديق في كل مسجد يتردد عليه للسعي على الأرملة والمسكين وليسد للفقراء جوعهم وحوائجهم وقد انتشرت هذه الصناديق وأصبح الصرف منها سرا للفقراء في ظل الاحتلال حتى لا تتعرض للمصادرة أو يتعرض القائمون عليها للسجن والاعتقال
سير رحلات للاتصال بمسلمي فلسطين المحتلة عام 1948 يقوم بها هو ومساعدوه الطلاب والمدرسون من قطاع غزة إلى الأرض المحتلة والضفة الغربية فيحيي مساجد مهجورة في مدينة الرملة واللد ويافا وعكا ، أو يشترك في المساجد العامرة بالنشاط .
اتصل بعبد الله نمر درويش في بلدة أم الفحم بفلسطين المحتلة عام 48 وكان لا يزال يقوم بأعمال سكرتير الحزب الشيوعي في تلك البلدة وفتح معه حوار ومناقشة هادئة أطلعه فيها على انحراف الشيوعيين ومواقفهم العرجاء من القضية وأن الإسلام كفيل بحل جميع مشكلات الناس لأنه نظام رباني محكم ، و كان مما أسفر عن ذلك تحول الرجل من الشيوعية إلى أن أصبح رجلا مسلما يعمل للإسلام
بدأ الشيخ رحمه الله يأخذ طريقا آخر في الدعوة مع حفاظه على لغة الخطاب المباشر في تجمعات الناس ومجالسهم العامة فقد بدأ الشيخ دعوته الفردية بالاجتماع بوجهاء الناس ونشطاء الطلاب والرموز والفعاليات التربوية والثقافية في مدارس وكالة غوث اللاجئين وقد استطاع من خلال انطلاقاته وخلواته وجولاته الميدانية لتجمعات الطلاب أن يرصد نخبة منهم كانت نواة لمنهجية جهادية على نمط دار الأرقم .... كانت العجلة تسير ببطء شديد لوعورة الطريق وتكاثر الشوك لكن الشيخ كان يراهن على جيل جديد يفهم الدعوة ويقاتل من أجلها حتى يتحقق له النصر والتمكين .
في السبعينات اتفق مع العاملين في المجال الإسلامي في قطاع غزة ومن معه من الشباب على إقامة جمعية المجمع الإسلامي على أنها مؤسسة ثقافية صحية اجتماعية وأصبح المجمع الإسلامي جمعية القطاع كله دينية وصحية وفكرية وإسلامية ورياضية بل وسياسية أيضا
ومن مواقف العمل الاجتماعي الايجابي في الفترة ما بين 1975 : 1976 تعرضت بلدية غزة القائمة على نظافة المدينة لإهمال نتيجة قلة إمكانياتها فقرر الشيخ والشباب مباشرة تنظيف الشوارع بأنفسهم في مجموعات كان يشرف عليها الشيخ بنفسه يحث الشباب على الجد والهمة ويدعو لهم .
كان لأفكاره ومشاريعه في تطوير العمل أكبر الأثر على مستوى بناء المساجد ومراكز تحفيظ القرآن الكريم وإنشاء لجان الزكاة ومجالس المصالحات وفض المنازعات ثم فتح مدارس التقوية ورياض الأطفال إضافة إلى الجمعيات والنوادي الإسلامية والمستوصفات الطبية ثم جامعة غزة الإسلامية
أصبح الشيخ يفصل في القضايا كالزواج والميراث والطلاق والأرض والمشكلات التي تقع بين الجيران وفي كل ما يتنازع الناس فيه وكثير منهم يرتضونه الحكم لهم فيفصل بينهم بما يرضي الله ورسوله .
صار بيت الشيخ أحمد ياسين ساحة قضاء يأتي إليه المتخاصمون يطلبون الصلح الحق .سئل الشيخ يوما : كيف تقضي وقتك ؟ فأجاب : طوال عمري في العمل حتى حين أكون في بيتي فأنا في العمل ليس لدي ساعة فراغ واحدة ، يأتيني المسلم يشكو من شيء فأسعى لحل شكواه ، يأتيني الفقير يشكو ويأتيني أبو السجين أو أهله يشكون ، تأتيني المطلقة تشكو شكواها فبيتي مفتوح لكل الناس وعلى كل مستوياتهم للأرملة والفقير والتعبان والمريض والذي يريد العلاج والذي لديه مشكلة والذي يريد أن يزور منطقة والذي يبحث عن عمل ... العمل يأخذ كل وقتي .
واجب عملى :
يجتهد الدارس أن يقدم افكارا جديدة تمكنه وغيره من أهل الخير والإصلاح أن يحسنوا العمل على إرشاد مجتمعهم ( ورشة عمل )
التقويم :
1- أذكر غاية الإخوان المسلمين ووسيلتهم إلى تحقيق ذلك كما ذكرها الإمام البنا
2- بين أثر دعوة الإخوان المسلمين في المجالات المختلفة في المجتمع
3- أذكر أمثلة من تاريخ الدعوة للعمل على إرشاد المجتمع
4- أذكر أمثلة عايشتها لنماذج من إخوانك قاموا بدورهم في إرشاد المجتمع
5- أذكر نماذج لأعمال عايشتها أو قمت بها كان لها دور في إرشاد المجتمع
6- وضح كيف أسهم الشهيد الشيخ أحمد ياسين في إرشاد المجتمع
7- حاول أن تعدد بعض الأعمال الصالحة والمشروعات الت تفيد منها أهالى الحى أوالبلدة (ورشة عمل)
المصادر
1- تفسير بن كثير
2- تفسير القرطبى
3- فى ظلال القرآن
4- مجموعة الرسائل للإمام البنا
5- ملامح المجتمع المسلم د0 يوسف القرضاوى
6- جامع الأصول لابن الأثير
7- شرح صحيح مسلم اللابن الأثير
8- شرح صحيح مسلم اللابن الأثير
9- شرح صحيح مسلم الإمام النووى
10- رياض الصالحين
11- إحياء علوم الدين
12- لسان العرب
13- المعجم الوجيز
14- الفكر السياسى عند الإمام البنا د0 إبراهيم البيومى
15- كيف ندعو الناس عبد البديع صقر
16- أصول الدعوة د0 عبد الكريم زيدان
17- تذكرة الدعوة البهى الخولى
18- مجموعة فقه الدعوة مصطفى مشهور
19- فقه الدعوة إلى الله د0 على عبد الحليم
20- منهج التربية د0 على عبد الحليم
21- الدعوة الفردية د0 على عبد الحليم
22- التربية السياسية د0 على عبد الحليم
23- اليربية الاجتماعية د0 على عبد الحليم
24- السيرة النبوية ابن هشام
25- السيرة النبوية د0 الصلابى
26- دور المرأة فى حمل الدعوة محمد حسين
27- ركن العمل دعلى عبد الحليم
28- زاد العاملين على أبو شعيشع
29- الفكر الإسلامى المعاصر مصطفى الطحان
30- مواقف فى الدعوة والتربية عباس السيسى
31- ركائز المشروع الحضارى جمعة أ مين
32- أحمد ياسين شيخ أيقط أمة عامر شماخ
33- رسالة المسجد ودوره لاشين أبو شنب
34- فقه الدعوة فى إنكار المنكر عبد الحميد البلالى
35- الإيجابية فى حياة الدعاة د0 عبد الله يوسف البلالى
36- نظرات فى رسالى التعاليم الشيخ محمد الخطيب – محمد حامد
37- المكتبة الألفية c d
الفصل الثالث
من رسائل الإمام الشهيد حسن البنا
دراسة الرسائل :
وفي هذا الكتاب يتم تناول رسالتين من رسائل الإمام البنا :
والتى تساعد على تحقيق الأهداف مثل :
رسالة دعوتنا
دعوتنا فى طور جديد
والأصل هو قراءة الرسالة من مصدرها الأصلي ( كتاب الرسائل للإمام البنا ) ، وما نقوم به في هذا الإصدار عبارة عن إرشادات تعيين على فهم واستيعاب هذه الرسائل حتى تحقق الأهداف المرجوة منها والاستفادة العملية التي نسعى إليها .
أهمية دراسة الرسائل :
ترجع أهمية دراسة الرسائل للأسباب التالية :
1- دراسة الرسائل محافظة على أصالة الدعوة وهدف هذه الدراسة أن تجعل أفراد الصف حرّاس أمناء على منهج لجماعة فى الأهداف والوسائل والخطوات على مر الزمان .
2- مشاركة جميع أفراد الصف عملياً فى تحقيق الأهداف والمساهمة الفعالة فى مشروع النهضة بالخروج من دراسة الرسائل بواجبات عملية يتم الإتفاق عليها فى ضوء فقه الواقع والبيئة المحيطة .
3- دراسة الرسائل ضرورية لأفراد الصف لأنها تقدم معرفة شاملة وافية تقى من الإختلافات غير المنعطفات الكبرى وكثرة الاجتهادات المغايرة للمنهج وتقى كذلك من علل التساقط وعلل الحيرة والتشكيك وعلل الإغترار بكل طرح جديد .
4- زيادة البناء واستمرار التواصل وضرورة الإضافة إلى ما هو قائم واستمرار التواصل منعاً للتكرار وهدر الأوقات .
5- التأثير العميق لهذه الرسائل فى نفوس الذين درسوها وقرأوها . لا ذلك لان الأستاذ البنا صاغ هذه الرسائل بحرفية شديدة وموضوعية أشد واتسمت بسلاسة العرض وسهولة الأسلوب وتقديم الدليل الشرعي والتركيز على تربية الرجال وإيثار الناحية العملية والتدرج فى الخطوات والبعد عن مواطن الخلاف والإيمان العميق بشمول الإسلام لكل مناحى الإصلاح إلى نهاية الزمان .
6- تقديم مادة علمية للباحثين والمتحدثين حول فكر الأستاذ البنا : لا بأس بأن يتقدم إلينا من وصلته هذه الدعوة ومن سمع أو قرأ هذا البيان برأيه فى غايتنا ووسيلتنا وخطواتنا فنأخذ الصالح من رأيه وننزل على الحق من شورته فإن الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين عامتهم .
7- تعتبر الرسائل مادة ثرية للدعاة والخطباء ولمن يتصدون فى العمل العام . تمكن من تجويد الرسالة الإعلامية للدعوة .
كيف تقرأ الرسائل وتفهمها وتشرحها ؟
لما كانت الرسائل تمثِّل المنطلق الفكري والتربوي لحركتنا لذا كان من التوجيهات الخاصة بالجانب التربوي التأكيد على التركيز على رسائل الإمام البنا لضمان عدم الانحراف فكريًّا ودعويًّا.
كيف تقرأ الرسائل؟
كيف نقرأ فكر الأستاذ الإمام البنا؟! إنه لكي يتحقق هذا الهدف:
1- علينا أن نُلِّم بالظروف التاريخية التي كُتبت فيها هذه الرسائل.
2- وعلينا أن نعرف القواعد التي اتبعها الأستاذ الإمام البنا في كتابتها.
3- ثم مقارنة هذه القواعد بالتوجيهات المطروحة في الكتابة الحديثة.
وقد صدرت هذه التوجيهات في الكتابة الحديثة عن إحدى جامعات إنجلترا (كلية الرواية ) :
توجيهات كلية الرواية (كيف تكتب؟( وإسقاطها على واقع الأستاذ الإمام البنا :
1- الكتابة امتداد طبيعي للقراءة، فالإنسان لكي يكتب عليه أن يقرأ كثيرًا ويطالع كثيرًا ؛ حتى يحسن الكتابة، وإن الجوهر الخلاَّق للكتابة هو القراءة، وإن الأفق الحقيقي للكتابة هو اكتشاف القراءة في سنِّ مبكرة.
لو طبقنا ذلك على الأستاذ الإمام البنا لوجدنا أنه اهتم منذ صغره بالقراءة، كما عبَّر عن ذلك في أول رسالة المؤتمر الخامس: (طالعت كثيرًا وجرَّبت كثيرًا، وخالطت أوساطًا كثيرةً، وشهدت حوادثَ عدةً.. إلخ).
المعروف أن الأستاذ الإمام كان يحفظ أكثر من ثمانيةَ عشرَ ألف بيت من الشعر ومثلها من النثر عندما تقدم للاختبار التقويمي في دار العلوم.. يقول الإمام البنا: وقد أعددت من الوسائل العملية درسًا طويلاً، سأحاول أن تشهد لي به الأوراق الرسمية، ولقد حفظتُ كثيرًا من المتون في العلوم المختلفة، فحفظت مُلحة الإعراب للحريري، ثم الألفية لابن مالك، والياقوتية في المصطلح، والجوهرة في التوحيد، والرحبية في الميراث، وبعض متن السلم في المنطق، وكثيرًا من متن القدوري في فقه أبي حنيفة، ومن متن الغاية والتقريب لأبي شجاع في فقه الشافعية، وبعض منظومة ابن عامر في مذهب المالكية، وحاولت حفظ متن الشاطبية في القراءات.
ولكي نفهم الرسائل جيدًا لا بد من أن نقرأ كثيرًا حول الأفكار التي طرحتها هذه الرسائل..
القراءة يجب أن تكون بشكل انتقائي ونقدي، وذلك باستخراج الأفكار المفيدة في الموضوع، فعلينا ونحن نقرأ الرسائل أن نستخرج الأفكار المهمة المفيدة في كل رسالة.
2- الكتابة أخيلةٌ لا حدودَ لها، وقد أشار الإمام إلى هذا المعنى عندما قال: "وألزموا الخيال صدقَ الحقيقة والواقع، واكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البراقة" وكذلك عندما كان يتكلم عن "أحلام اليوم حقائق الغد وحقائق اليوم أحلام الأمس"، وكان لا يجعل الخيال يستبدُّ به، وإنما كان يُلزمه صدقَ الحقيقة والواقع.
3- الكتابة تحتاج إلى ذاكرة جيدة، فكتابةٌ جيدةٌ تعني ذاكرةً جيدةً، وذاكرةٌ جيدةٌ تعني امتلاكًا لأحداث الواقع ولتجاربه ولوقائعه الحياتية.
وهذا ينطبق على كلام الأستاذ الإمام والحصيلة الضخمة جدًّا التي كما قال: "شهدتُ حوادثَ عدةً وخالطتُ أوساطًا كثيرةً، وخرجتُ من هذه السياحة القصيرة المدى الطويلة المراحل بما استطعت أن أقدمه كتابةً للناس.
و توظيف هذه التجارب والوقائع والأحداث لخدمة الهدف.
4- القدرة على الصدق في اختيار الكلمات البسيطة البعيدة عن التعقيد؛ لأنها دليلٌ على صدق الكاتب وعلى ثقته في نفسه وابتعاده عن الخوف والخجل والكذب وعدم الثقة في النفس؛ ولذلك كان الأستاذ الإمام يكتب كأنه يتحدث، يتكلم ارتجالاً، حاضر البديهة، متمكنًا من علمه، يسوق الآيات، يدلِّل بها على ما يقول، فتجدها كأنما أنزلت في مواضعها.
5- القدرة على نقل الإحساس بأحداث الحياة، فكما يقولون: الظلم وحده لا يُحدث الثورات، إنما الإحساس بالظلم، فالكاتب الجيد هو الذي ينفعل بالأحداث مِن حوله، وتكون لديه القدرة على تجسيد هذا الإحساس، والأستاذ الإمام كانت لديه هذه القدرة.
6- الوحدة الأساسية في النص هي المقطع (الفقرة أو عدة فقرات) وليس الجملة؛ بحيث تستطيع أن تفهم ما هو مكتوب، فالفكرة يتضمنها مقطعٌ كاملٌ؛ حتى يعين على الوحدة الموضوعية في الكتابة، وهذا الكلام واضحٌ في رسائل الإمام الشهيد.
7- أصعب شيء في الكتابة هو الخواتيم، فإنهاء الكتابة بخاتمةٍ جيدةٍ من أصعب الأشياء، وكان الأستاذ الإمام موفقًا في ذلك، فتجد أن الخاتمة لديه ملخِّصةٌ لأفضل ما طَرح وأهم ما كتَب في الرسالة، فانظُر إليه مثلاً في (رسالة التعاليم)، حيث يقول في ختامها: "أيها الأخ الصادق: هذا مجملٌ لدعوتك، وبيانٌ موجزٌ لفكرتك، وتستطيع أن تجمع هذه المبادئ في خمس كلمات: الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن شريعتنا، والجهاد سبيلنا، والشهادة أمنيتنا، أن تجمع مظاهرها في خمس كلمات هي: البساطة والتلاوة والصلاة والجندية والخلق.. فخذ نفسك بشدة بهذه التعاليم، وإلا ففي صفوف القاعدين متسعٌ للكسالى والعابثين".. فالنهاية قويةٌ جدًّا ومركَّزة، وهكذا كانت خاتمة كل رسالة.
أسلوب الإمام في كتابة الرسائل :
يقول الشيخ الغزالي: "أهم ما يمكن أن تصف به الأستاذ الإمام البنا رحمه الله أنه كانت فيه ثلاث مميزات مهمة جدًّا:
1- الفقه المتمكن.
2- حسن الدراية بالمجتمع الذي يعيش فيه.
3- التجربة الميدانية.
وأكثر الأدلة على ذلك رسالة التعاليم، وبخاصة الأصول العشرين للفهم، فقد قرأ الإمام أكثر من ثلاثين كتابًا من أمهات كتب الفقه حتى يكتبَ الأصول العشرين، وهذا ليس غريبًا، فقد قرأ الإمام محمد عبده خمسًا وعشرين كتابًا حتى يفسِّر آيةً واحدةً، فكان الأستاذ الإمام موسوعيًّا في اطلاعه.
أما عن حسن الدراية فإنه ما مِن أحدٍ يقرأ رسالةً من رسائل الإمام إلا ويقع في حسِّه أنه يقرأ لشيخٍ عاشَ الأحداثَ وفهِمَها وفقهها وحاول إصلاحها، وانظر إليه عند حديثه عن المشكلة الاقتصادية المتعلقة بالأفراد في (رسالة المؤتمر السادس)، ثم حسن الدراية بواقع الإسلام في العالم من حوله، فكان عنده حسن الدراية بالواقع من حوله محليَّا وعربيًّا وعالميًّا.
أما عن تجربته الميدانية التي كانت تتميز بها رسائلُه فأبلغ شيء على ذلك هو (مذكرات الدعوة والداعية)، التي رصد فيها كل تجاربه منذ نعومة أظفاره حتى أقام هذا الصرح الشامخ، وقد وقف وقفاتٍ طويلةً جدًّا عند بعض المنعطفات المهمة في حياته، مثل:
مدرسة الرشاد.
مدرسة المعلمين وحفظ المتون.
وقفته عند أستاذه في دار العلوم- محمد عبد المطلب- الذي تعلم منه التوسع والاستطراد.
موقفه عند الصوفية كموقف مهم في حياته.
انتقاله إلى الإسماعيلية.. إلخ.
فرسائل الإمام اتسمت بالتجربة الميدانية، كما اتسمت بالإلحاح والعاطفة، ذلك الذي أعطاها هذا الصدق الذي تجد أثره في السمع.. هذا هو الأسلوب العام لكتابة الرسائل.
ثم يتحدث عن الظروف التاريخية التي نشأ فيها، وكان من أهم الأحداث في عهده:
1- الاحتلال، ووقوع العالم الإسلامي في قبضة الغاصب الأجنبي.
2- سقوط الخلافة الإسلامية.
وكان هناك- في هذا العهد- الخصوم الأقوياء والجيل المخضرم الذي تأثر بالحضارة الغربية والاتجاه العلماني التغريبي الذي أراد أن يدفع الأمة- عن مغافلة منها- لا إلى ما يريد بل إلى ما أَلِف، وكانت هناك ردود الفعل الباهتة الضعيفة للنخب الحائرة التي تمثَّلت في مثل الشيخ يوسف الدجوي، وفي المثقفين الملتزمين من ناحية أخرى مثل أحمد تيمور باشا.
كانت ردود فعل باهتة أنتجت في النهاية حالةً من الجمود ومن الواقع البئيس كما قال أبو الحسن الندوي: أصبح العالم الإسلامي طبعةً واحدةً من كتابٍ واحدٍ تشابهت نُسَخُه أو مسرحيةً من فصل واحد أُحكِم إخراجها، فلا قلقَ ولا اضطرابَ ولا طموحَ ولا استشرافَ.
جاء الإمام الشهيد ففاجأ العالم الإسلامي بشخصيته الفذَّة التي جُمعت فيها محاسنُ تفرَّقت في غيره، وقد استفاد من تجارب كل من سبقوه، وهو بلا شك مجدد سبعة قرون خلَت، كما يقول أبو الحسن الندوي في مقدمة ( كتاب الدعوة والداعية )
أقام هذا الرجل- الأستاذ الإمام- مهمة دعوته على أصول ثلاثة:
أولها: إعادة الثقة في صلاحية الإسلام وخلود الرسالة- وعلى هذا المحو تدور رسائل الإمام البنا- بين أبناء هذا الجيل الذي كان قد تأثَّر بالاتجاه العلماني التغريبي.
ثانيها: مقاومة مركب النقص وعقدة الدونية، وهي الهزيمة الداخلية التي ليس هناك هزيمة أبشع منها.
ثالثها: معالجة روح الميوعة والاستهتار والانسياق تحت ربقة الشهوات والآثام، وأن يستبدل بذلك الرجولة والجد التي تعني الوقار والرزانة والعبوس والخشونة.. هذه هي القواعد الأساسية التي بنى عليها الأستاذ الإمام دعوته وكتب من أجلها رسائلَه.
وتحدَّث الشيخ مصطفى المراغي عن الأستاذ الإمام الشهيد وهو يتكلم عن خصائص الداعية الفذّ فقال: "والشيخ حسن البنا رجل مسلم غيور على دينه، يعرف الوسط الذي يعيش فيه، ويفقه أسرار الإسلام، ويضع يده على الأدواء في جسم الأمة الإسلامية، وقد اتصل بالناس اتصالاً وثيقًا، وشغل نفسه بنواحي الإصلاح على النحو الذي كان عليه سلف الأمة الصالح".. هذه الصفات الفذَّة التي كانت تنتظرها دعوةُ الإسلام في القرن الرابع عشر الهجري "فكل دعوة تنتظر صاحبها" فجاء الإمام البنا مجهَّزًا بهذه الصفات، وهذا مجمل الحديث عن الأستاذ الإمام البنا والظروف التي كتب فيها الرسائل.. وبالله التوفيق.
شهادة الشهيد سيد قطب رحمه الله :
في بعض الأحيان تبدو المصادفة العابرة كأنها قدَرٌ مقدورٌ وحكمةٌ مدبرةٌ في كتاب مسطور.. حسن البنا.. إنها مجرد مصادفة أن يكون هذا لقبه، ولكن من يقول إنها مصادفةٌ والحقيقة الكبرى لهذا الرجل هي البناء، وإحسان البناء، بل عبقرية البناء.
لقد عرفت العقيدة الإسلامية كثيرًا، ولكن الدعاية غير البناء، وما كل داعية يملك أن يكون بنَّاءً، وما كل بنَّاء يوهب هذه العبقرية الضخمة في البناء.
هذا البناء الضخم.. الإخوان المسلمون.. إنه مظهر هذه العبقرية الضخمة في بناء الجماعات، إنهم ليسوا مجرد مجموعة من الناس، استجاش الداعية وجداناتهم فالتفوا حول عقيدة.. إن عبقرية البناء تبدو في كل خطوة التنظيم من الأسرة إلى الشعبة إلى المنظمة إلى المركز الإداري إلى الهيئة التأسيسية إلى مكتب الإرشاد.
هذا من ناحية الشكل الخارجي وهو أقل مظاهر هذه العبقرية، ولكن البناء الداخلي لهذه الجماعة أدَّق وأحكم وأكثر دلالةً على عبقرية التنظيم والبناء.. البناء الروحي.. هذا التنظيم الذي يربط أفراد الأسرة وأفراد الكتيبة وأفراد الشعبة.. هذه الدراسات المشتركة والصلوات المشتركة والتوجيهات المشتركة والرحلات المشتركة والمعسكرات المشتركة.
وفي النهاية هذه الاستجابة المشتركة والمشاعر المشتركة التي تجعل نظام الجماعة عقيدةً تعمل في داخل النفس قبل أن تكون تعليماتٍ وأوامرَ ونظامًا، والعبقرية في استخدام طاقة الأفراد.. طاقة المجموعات، في نشاط لا يدع في نفوسهم ولا يدعهم يتلفتون هنا أو هناك، يبحثون عما يملأون به الفراغ.
إن مجرد استثارة الوجدان الديني لا يكفي، وإذا قصر الداعية همَّه على هذه الاستثارة فإنه سينتهي بالشباب خاصةً إلى نوع من الهَوَس الديني الذي لا يبني شيئًا، وإن مجرد الدراسة العلمية للعقيدة لا تكفي، وإذا قصر الداعية همَّه على هذه الدراسة فإنه سينتهي إلى تجفيف الينابيع الروحية التي تُكسب هذه الدراسة نداوتَها وحرارتَها وخصوبتَها، وإن مجرد استثارة الوجدان والدراسة معًا لا يستغرقان الطاقة، فستبقى هنالك طاقةٌ عضليةٌ، وطاقةٌ عمليةٌ، وطاقةٌ فطريةٌ أخرى في الكسب والمتاع والشهوة والعمل والقتال.
وقد استطاع حسن البنا أن يفكِّر في هذا كله أو أن يلهم هذا كله، فيجعل نشاط الأخ المسلم يمتد- وهو يعمل في نطاق الجماعة- إلى هذه المجالات كلها بحكم نظام الجماعة ذاته، وأن يستنفذ الطاقاتِ الفطريةَ كلها في أثناء العمل الجماعي وفي مجال بناء الجماعة، واستطاع ذلك في نظام الكتائب ونظام المعسكرات ونظام الشركات الإخوانية ونظام الدعاة ونظام الفدائيين الذي شهد معارك فلسطين ومعارك القتال وهناك نماذج من آثاره تشهد بالعبقرية لذلك النظام.
وعبقرية البناء في تجميع الأنماط من النفوس ومن العقليات ومن الأعمار ومن البيئات.. تجميعها كلها في بناء واحد، كما تتجمع النغمات المختلفة في اللحن العبقري، وطبعها كلها بطابع واحد يُعرَفون به جميعًا، ودفعها كلها في اتجاه واحد على تباين المشاعر والإدراكات والأعمار والأوساط في ربع قرن من الزمان.. تُرَى أكانت مصادفةً عابرةً أن يكون هذه لقبه؟َ أو أنها الإرادة العليا التي تنسق في كتابها المسطور بين أصغر المصادفات وأكبر المقدورات في توافق واتساق؟!
ومضى حسن البنا إلى جوار ربه، يمضي وقد استكمل البناء أسسه، يمضي فيكون استشهاده على النحو الذي أريد له: عملية جديدة من عمليات البناء.. عملية تعميق للأساس، وتقوية للجدران، وما كانت ألف خطبة وخطبة، ولا ألف رسالة للفقيد الشهيد لتُلهب الدعوة في نفوس الإخوان كما ألهبتها قطرات الدم الزكي المهراق.
إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع، حتى إذا متنا في سبيلها دبَّت فيها الروح وكُتِبَت لها الحياة، وحينما سلَّط الطغاة الأقزام الحديد والنار على الإخوان كان الوقت قد فات، كان البناء الذي أسسه حسن البنا قد استطال على الهدم، وتعمَّق على الاجتثاث، كان قد استحال فكرةً لا يهدمها الحديد والنار، فالحديد والنار لم يهدما فكرةً في يوم من الأيام، واستعلت عبقرية البناء على الطغاة الأقزام، فذهب الطغيان وبقي الإخوان.
ومرةً بعد مرةً نزَت في نفوس بعض الرجال- من الإخوان- نزوات، وفي كل مرة سقط أصحاب هذه النزوات كما تسقط الورقة الجافَّة من الشجرة الضخمة، أو انزوت تلك النزوة، ولم تستطع أن تحدث حدثًا في الصفوف.
ومرةً بعد مرة استمسك أعداء الإخوان بفرع من تلك الشجرة، يسحبونه عميقًا في كيانها، فإذا جذبوه إليهم جذبوا الشجرة أو اقتلعوا الشجرة، حتى إذا آن آوان الشدّ خرج ذلك الفرع في أيديهم جافًّا يابسًا كالحَطَبَة الناشفة، لا ماءَ فيه ولا ورقَ ولا ثمارَ.
إنها عبقريةُ البناء، تمتد بعد ذهاب البناء.
** ملحوظة :
الاستفادة من موقع ( إخوان أون لاين ) ففيه شرح لبعض الرسائل ( فيديو ) مثل :
1- رسالة دعوتنا د/ عصام العريان
2- رسالة إلى أي شيء ندعوا الناس د/ محمود غزلان
وقد قمنا بتحديد العناصر التالية في كل رسالة وذلك مما يساعد الدارس على تحقيق الأهداف المرجوة من هذه الدراسة والعناصر هي :
1- الأهداف الإجرائية السلوكية .
2- الظروف التاريخية للرسالة .
3- الواجبات العملية التي يمكن الخروج بها .
4- التقويم .
وسوف نستعرض ذلك في كل رسالة على حدة كما يلي .
حول رسالة دعوتنا
الأهداف الإجرائية السلوكية :
1- أن يذكر الدارس أهم سمات دعوة الإخوان المسلمين
2- أن يعدد أصناف الناس وكيف تتعامل الدعوة مع كل صنف .
3- أن يوضح مضمون الدعوة وصفات من يعمل لها .
4- أن يقارن بين إيماننا وإيمان غيرنا
5- أن يذكر آثار ونتائج غياب الإيمان الحقيقى .
6- أن يوضح موقف الدعوة من كل من الوطنية والقومية والعروبة والخلافات الدينية .
7- أن يعدد أعراض مرض الأمة فى مناحيه المختلفة
8- أن يذكر من الآيات والأحاديث ما يشخص العلاج .
الظروف التاريخية :
كانت هذه الرسالة عام 1349 هجرياً الموافق 1931 ميلادياً .
ظهور حركات التحرر الوطنى وبداية ظهور تيار القومية العربية .
تطاحن الأحزاب على الحكم والتهاتر بالألفاظ .
ظهور تيارات التغريب .
فكانت هذه الرسالة شرحاً لأهداف الدعوة وتوجيهاً للحكومات للأخذ بتعاليم الإسلام .
الواجبات العملية :
1- التحقق بسمات الدعوة من حيث وضوح الغاية والبعد عن المطامع الشخصية والتفانى فى خدمة الآخرين ودوام اللجوء على الله لضمان نصره وتأييده .
2- الوقوف أمام نماذج دعوية من القديم والحديث لتلمس أوجه صلاحهم لها من حيث إحاطتهم بكل جوانبها وتضحيتهم بكل غال فى سبيل نهضتها وكيف تجردوا لها ولم يجعلوا لها شريكاً فى حياتهم ( ورشة عمل ) عن كيفية توصيل المفاهيم للآخرين .
3- حفظ الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التى تبث الأمل فى نفوس الدعاة ومقاومة اليأس
4- إقامة جسور التفاهم مع الآخرين وعدم التعصب للرأى ومحاولة الوصول إلى الحق بألطف وسائل اللين والحب .
5- تخير بعض العبارات التى أثرت فيك وتساعدك فى بيان دعوتك واحفظها .
التقويم :
1- اذكر أهم سمات دعوة الإخوان المسلمين .
2- الناس أمام الدعوة واحد من أربعة اذكرهم مبيناً كيف تتعامل الدعوة مع كل صنف .
3- وضح مبدأ دعوة الإخوان ومن سيتحملها وينهض بها .
4- هناك فرق بين إيماننا وإيمان غيرنا وضح هذا الفرق وبين أثره .
5- اذكر أهم الدعوات التى ظهرت فى هذا العهد وموقف الدعوة من كل منها .
6- داء الأمم الشرقية متشعب المناحى كثير الأعراض - عدد مناحي هذا المرض . واذكر أعراضه في كل مناحيه .
7- تقوم فكرة الإخوان على أركان ثلاثة . اذكرها مبيناً أثرها فى العلاج .
8- وضح المشكلات التى واجهتك فى اقناع الآخرين بهذه المفاهيم وكيف تغلبت عليها .
رسالة دعوتنا فى طور جديد
الأهداف الإجرائية السلوكية :
1- أن يذكر الدارس أهم خصائص الدعوة .
2- أن يوضح الدارس كيف جمع الإسلام الحنيف بين العقليتين الغيبيبة والعلمية .
3- أن يبين الدارس مكانة القومية والعروبة والشرقية والعالمية من هذه الدعوة .
4- أن يوضح الدارس المشاعر التى أحياها رسولنا "ص" فى قلوب المؤمنين فقادوا بها .
5- أن يوضح الدارس يقظة الروح ودورها فى بناء المجتمع .
6- أن يشرح الدارس الفكرة الإسلامية وكيفية صبغ المجتمع بها .
7- أن يبين الدارس الوسيلة العامة للدعوة لتحقيق أهدافها .
الظروف التاريخية : ( من كتاب مذكرات الدعوة والداعية )
ظهرت هذه الدعوة والناس فى انصراف عن الفكرة الإسلامية وفى اعجاب بالفكرة الغربية المادية فأخذت طريقها فى هدوء إلى قلوب الطبقة الأولى من الناس طبقة الجماهير المؤمنة السليمة العقائد والصدور على حين كان جماهير المفكرين في الداخل وأهل الرأى والتوجيه يروجون للفكرة الأخرى ويهتمون بها ويدعون الناس إليها ووقعت احداث غريبة ( الحرب العالمية الثانية) التى هوت كل العقول والمشاعر والقلوب والأفكار وأشعرت الإنسانية الحاجة الشديدة إلى إعادة النظر فى مناهج الحياة . صادف ذلك امتحان لدعوة الإخوان كشف عن جوهرها ولفت أنظارالناس إليها وبذلك انتقلت الدعوة إلى القلوب المؤمنة والعقول المفكرة .
وكان من الطبيعى أن تكثر الأسئلة عن مرامى الدعوة وكنهها وعن الطريق التى يسلكها أهلها والقائمون بها فى علاج ما يحيط بتطبيق مبادئها وتعاليمها من مشاكل داخلية وخارجية لذا صار على اهلها أن يصوروها للناس تصويراً منطقياً دقيقاً واضحاً مبنياً على أدق قواعد البحث العلمى وان يرسموا أمام الناس الطرق العامة المنتجة التى أعدها لتحقيق ما يريدون .
من أجل ذلك تناول الإمام فىهذه الرسالة خصائص هذه الدعوة ومراميها والشبهات التى تورد عليها والعقبات التى تحيط بها فى هذا الطور الجديد .
الواجبات العملية :
1- قراءة الرسالة قراءة جيدة وحفظ بعض مقاطع منها .
2- الإكثار من النوافل .
3- الإرتباط بالمسجد والمكث فيه وكثرة تلاوة القرآن .
4- المحافظة على لقاء البيت السعيد مع وضع برنامج له .
5- دور اجتماعى فعال داخل الحى ( كفالة يتيم – قضاء حوائج – مشاركة فى الأحزان – مشاركة فى لجان بر – مشاركة فى لجان صلح ) .
6- ممارسة بعض الوسائل التى تعين على صبغ المجتمع بالصبغة الإسلامية ( شرائط كاسيت – بوستر – يفط جيرية – نشر الفضائل – نشر الحجاب ............)
التقويم :
1- اذكر أهم خصائص دعوة الإخوان المسلمين
2- العقل البشرى يتذبذب فى أطوار ثلاثة من التفكير والتصور وضح ذلك
3- وضح مكانة كلا مما يلى فى دعوة الإخوان ( القومية – العروبة – الشرقية – العالمية
4- اذكر المشاعر الثلاثة التى أحياها رسولنا (ص) فى قلوب المؤمنين فقادوا
5- يقظة الروح لها دور فاعل فى بناء المجتمعات وضح ذلك
6- هل مارست دور فعال فى صبغ المجتمع بالصبغة الإسلامية ؟ وضح بالمثال
7- أذكر وسيلة الدعوة فى تحقيق أهدافها .
الفهرس
الباب الأول : المحور الإيماني والتعبدي : أن يتزود بالعلوم الشرعية المناسبة
الفصل الأول : القرآن الكريم
الفصل الثاني : الحديث الشريف
الفصل الثالث : السيرة النبوية
الفصل الرابع : العقيدة
الفصل الخامس : الفقه
الباب الثاني : المحور الأخلاقي والسلوكي
الفصل الأول : محاسبة النفس وإصلاحها
1- مفهوم محاسبة النفس و أهمية تلك المحاسبة.
2- كيفية محاسبة النفس .
3- مفهوم إصلاح النفس و الوسائل المعينة على ذلك.
4- أن يجتهد في إصلاح نفسه بالاستعانة بالله ثم بإخوانه ثم يقوم ذلك .
5- أن يجاهد نفسه للتخلص من بعض آفات اللسان " الغيبة و النميمة – المراء و الجدل .... "
الفصل الثاني : الإخلاص
الباب الثالث : المحور الدعوي والحركي
الفصل الأول : ركن الفهم
الفصل الثاني : مرتبة إرشاد المجتمع
الفصل الثالث : من رسائل الإمام الشهيد حسن البنا ( دعوتنا – دعوتنا في طور جديد )