أغمض عيناي وأستنشق عميقًا، فأنفاسي تحملني إلى زاوية نائية من ذاكرتي، إلى يوم مشمس حار، كنتُ فيه أرتدي شورتًا قصيرًا وقميصًا أزرقًا، وأركض حافي القدمين على الشاطئ. لم أكن أعبأ بالحرارة الشديدة، فشغفي كان منصبا على بناء قلعة رملية ضخمة.
كنتُ أسعى جاهدًا لجعلها أجمل قلعة رملية في العالم، أزينها بالأصداف الملونة وأحفر حولها خندقًا عميقًا. كنتُ أرى نفسي قائدًا لجيش يحرس هذه القلعة الشاهقة، حيث كنتُ أستحضر في مخيلتي معارك بطولية تدور حول حمايتها من الموجات العاتية ومن طيور النورس التي كانت تحوم في الأفق، وكأنها تبحث عن فرصة لسرقة إحدى أصداف القلعة.
ومع مرور الوقت، بدأ الشاطئ يمتلئ بالأطفال الآخرين، كل منهم يحاول بناء قلعته الخاصة. كنتُ أشعر بمنافسة خفيفة، لكنها لم تكن تشغلني كثيرًا؛ فكنتُ أكتفي بنظرة فخر إلى قلادتي الرملية، التي كانت تتلألأ تحت أشعة الشمس. كلما أضفت لمسة جديدة، كانت تزداد سعادتي، حيث كنتُ أرى أن كل سطل من الرمل يعكس جزءًا من خيالي.
بعد ساعات من العمل المتواصل والمرح، جلست على أحد الصخور القريبة، أراقب قلعتى تتلألأ كأنها مملكة في عالم خيالي. لم يكن هناك شيء يعادل الشعور الذي كنت أعيشه، حيث كانت رائحة البحر تعانق الهواء، وصوت الأمواج يرافقني كأنغام موسيقية. في تلك اللحظة، شعرت بأنني أملك العالم بأسره، وأن كل همومي وأفكاري أصبحت بعيدة جدًا عني.
ومضت الأيام، ومرت السنوات، لكن ذلك اليوم على الشاطئ لا يزال عالقًا في ذاكرتي، كأنه لوحة فنية جميلة تروي قصة الطفولة والبراءة. علمتني تلك اللحظات البسيطة أن السعادة ليست في الأشياء الكبيرة، بل في التفاصيل الصغيرة التي تُغني الروح وتعطي معنى للحياة.